الغسل الذي يقدمه يسوع للتلاميذ هو قبل كل شيء عمل قام به من تلقاء نفسه – مقدماً لهم عطية النقاء. ولكن العطية تصبح مثالاً، لنقوم بالعمل ذاته مع الآخرين. لقد وصف الآباء هذه الازدواجية في الغسل بكلمتي السر والمثل. السر هنا، يعني احد الأسرار السبعة، ولكن سر المسيح بكليته، من التجسد ولغاية الصليب والقيامة: هذا الكل يصبح القوة الشافية والمقدسة، القوة المحوِّلة للبشر، يصبح الـ ماتاباسيس فينا، لنتحول في صيرورتنا وننفتح على الله والاتحاد به.
هذه الصيرورة الجديدة التي أعطانا إياها الرب عن غير استحقاق تتحول فينا في دينامية حياة جديدة. إن العطية والمثل في غسل الأرجل، هما من مميزات طبيعة المسيحية بشكل عام. المسيحية هي قبل كل شيء عطية: الله يعطينا ذاته—لا يعطينا شيئاً بل ذاته. وهذا لا يكون فقط في البداية بل أيضاً ساعة الارتداد. فهو يبقى دائماً ذلك الذي يعطي، ويهبنا عطاياه باستمرار. إن الله يجعلنا شركاءه الشخصيين والأحياء ،
إن الحب الذي قدمه الله لنا، هو دينامية الحب سوية. من هنا نفهم الكلمة الاخيرة التي قالها يسوع لتلاميذه: “أعطيكم وصية جديدة: أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم”. إنها وصية جديدة تركتز الى المحبة، محبة الذي أحبنا منذ البدء. هكذا نستطيع أن نفهم خطاب الجبل. إن خطاب الجبل هو تحضير لمسيرة تطهير داخلي لنعيش مع المسيح، وهو أمر جديد يهبه لنا ويزرعه في حياتنا المشتركة.
في إنجيل غسل الأرجل، رفض بطرس ان يسغل له يسوع قدميه، ولكن عندما أوضح له يسوع أنه دون غسل أرجله لن يكون شريكاً له، طلب بطرس أن يغسل ايضاً يديه ورأسه. فأجابه يسوع: “من استحم لا يحتاج إلى غسل”.
من الواضح إذن أن الغسل الذي يطهرنا ولا يُعاد هو المعمودية، أي الاستحمام بموت وقيامة المسيح، وهو حدث يغير مجرى حياتنا في العمق.
إن الغسل يعني الانفتاح على الآخرين وعلى الغفران. إن ما أعطانا إياه الرب أكبر بكثير مما ندين به لبعضنا البعض. ولذلك فخميس الآلام يدعونا لكي لا نسمح بأن يصبح الحقد تجاه الآخرين سماً لأنفسنا. نحن إذن مدعوون لتنقية ذاكرتنا باستمرار، ولنغفر لبعضنا البعض، غاسلين أرجل بعضنا البعض، لندخل سوية الى وليمة الله.