* * *
"أنا هو الطريق والحق والحياة" ( يو 14: 6)
قيامة السيد المسيح من بين الأموات هي البرهان الذي أعطاه عن ألوهته. كان ذلك يوم زار هيكل أورشلم، فوجد فيه" باعة البقر، والغنم، والحمام، والصيارفة جالسين، فجدل سوطا من حبال، وطرد الجميع من الهيكل: طرد الغنم، والبقر، وبعثر نقود الصيارفة، وقلب طاولاتهم، وقال لباعة الحمام: " ارفعوا هذا الحمام من هنا، ولا تجعلوا بيت أبي، بيتا للتجارة"...أجاب اليهود وقالوا ليسوع:" أيّة آية ترينا, وأنت تفعل هذا ؟ فاجابهم بقوله لهم:" أهدموا هذا الهيكل، وأنا أقيمه في ثلاثة أيام". ودار جدل بينه وبينهم. قالوا له: " بُني هذا الهيكل في ستّ وأربعين سنة، وتقيمه أنت في ثلاثة أيام ؟" أمّا هو فكان يتكلّم عن هيكل جسده. ويضيف الانجيلي يوحنا:" ولمّا قام من بين الأموات، تذكّر تلاميذه كلامه ذاك، فآمنوا بالكتب، وبالكلمة التي قالها يسوع".
البرهان الأكبر على ألوهة يسوع هو قيامته من بين الأموات. ويقول القديس بولس: "ونحن نعلم أن المسيح، بعدما أقيم من بين الأموات، لن يموت من بعد، ولن يتسلّط عليه الموت أبدا" (روم 6: 9). وقيامته هي عربون لقيامتنا من رقدة التراب. ويقول القديس بولس أيضا:" اذا متنا معه، فاننا سنحيا معه" (2 تيم 2 :11).
ولكي نتمكّن من الموت والقيامة معه، يجب أن نسير في السبيل الذي خطّه لنا، فنتبعه ونتقيّد بأوامره ونواهيه. ما دام هو الطريق الذي يجب أن نسلكه، والحق الذي يجب أن نهتدي به، والحياة التي يجب أن نسعى وراءها لنحياها ونحافظ عليها. لأنه هو من قال:" أنا الطريق والحق والحياة". وعلينا أن نتذكّر ما قاله يوما أحد القديسين": هناك كثير مّما قاله الأنبياء في سرّ الفصح، وهذا السرّ هو المسيح، له المجد الى الأبد.
"فهو جاء الى الأرض من السماء من اجل البشرية المتألّمة، وارتدى بشريتنا من حشا البتول، ووُلد كأنسان. واتخذ جسدا يقوى على تحمّل الألم، فاخذ على عاتقه عذاب الانسان الخاطئ، وانتصر على مرض النفس والجسد، اللذين كانا سبب هذا المرض، وبروحه الذي لا يقوى عليه الموت، صفع الموت، محطّم الانسان، صفعة قاتلة".
"لقد اقتيد كنعجة، وذُبح كخروف. واشترانا من عبوديتنا، كما اشترى اسرائيل من أرض مصر، وحرّرنا من استعباد الشرّير إيانا، كما حرّر اسرائيل من يد فرعون. واشترى نفوسنا بروحه، وأعضاء جسدنا بدمه".
أيها الأخوة والأبناء الأعزّاء،
أجل في غمرة الأحداث التي تمرّ بنا في بلدنا، وفي هذه الحيرة التي تتأكّلنا، وفي هذا الضياع الذي يشكوه معظم الناس في مجتمعنا، من لنا غير الله لينقذنا ممّا نتخبّط فيه، يقينا منّا أنه هو دون سواه "الطريق والحق والحياة". ولكن الله، وان كان شفوقا رحيما غفورا، فهو يطلب منا على الأقل، أن نجدّد ايماننا به، ونثق بعنايته الألهية. وهو قد رسم لنا الطريق الذي يجب أن نسلكه لندرك ما وعدنا به من خلاص.
ان هذا التشرذم الذي يباعد بيننا، وهذا الضياع الذي لا نجد سبيلا الى الخروج منه، وهذا التفكّك الذي أصاب مجتمعنا، كل هذا لا يحمل على التفاؤل، لا بل على العكس من ذلك، انه يحمل على التشاؤم. ولكننا على الرغم من هذا الجوّ الملبدّ بالغيوم السوداء، لا يمكننا أن نقطع الأمل. فالبلد بلدنا، وان ذهبنا وتوطنّا بلدان الناس، وأصبنا فيها بعض النجاح. وهو ليس له سوانا لينهضه من كبوته. ولنا في تاريخنا امثولات يجب أن نعود اليها، ونستفيد منها. ومهما اشتدّت المحن، وتعاظمت البلايا، فاننا نعرف، ونحن مؤمنون بالله، أنه لا يحدث شيء الاّ باذنه تعالى. ولعلّ هذه الشدائد التي نعاني منها، قد سمح الله بها لنا ليبلو ارادتنا، ويمتحن ايماننا به، فنجعل متكّلنا عليه ونوطّد ايماننا بعنايته الإلهية، فنعود اليه بالتوبة الصادقة، وبعضنا الى بعض بالتعاضد والتعاون لننهض بوطننا من كبوته.
هذه الفرقة القائمة بين أبناء الوطن الواحد ليست بعلامة عافية. وهذا الإصرار على تجاهل هذه الفئة، الفئة الأخرى من المواطنين، لا تقود الى الإلفة والمحبة. وهذا التنافس الأعمى للظفر بحكم البلد بين هذا الفريق وذاك، للتحكّم به، لا يوصل الى الطمأنينة والازدهار، وهذا السعي الحثيث للاستيلاء على مفاصل البلد، والاستئثار بها دونما نظر الى سائر الناس، لا يُشعر بالراحة والاطمئنان. ولنعتبر بسوانا من البلدان حولنا التي ساهمت في اعمارها عقول أبنائنا وأياديهم، فيما بلدنا متروك للتراجع والتقهقر. والذين آمنوا البارحة بمستقبله، نراهم اليوم يُعرضون عنه ليذهبوا الى توظيف أموالهم في سواه من البلدان، وكان حتى الأمس القريب يستقطب الرساميل والمهارات.
ان الواجب يدعونا الى ايقاظ اللبنانيين على ما وصلوا اليه من سؤ حال، والاهابة بهم الى تناسي خلافاتهم الشخصية والجماعية، والى الاستماع الى صوت الضمير، وليس الى وساوس من يظنون انها تُكسبهم ما ليس باستطاعتهم أن يكتسبوه بالطرق المشروعة. ويجب أن يتعظوا بسواهم
ممّن يصحّ فيهم قول الطغرائي:
تقدّمتني أناس كان شوطهم ورائي خطوي ان أمشِ على مهل.
أجل ليس لنا الاّ أن نلقي نظرة على بعض الدول حولنا التي جعلت من الصحراء مدنا حضارية عامرة، فيما نحن جعلنا من الحدائق الغنّاء عندنا شبه صحارى. نقول هذا، لعلّنا ندرك ما صرنا اليه من سؤ حال. وعلى الرغم من كل ما كان، فلا نيأسنّ، ولنشمّر عن سواعد الجدّ، ولنضرب صفحا عمّا كان ليقبل بعضنا على بعض بالتفهّم والتعاون، لنترك لأولادنا وأحفادنا من بعدنا وطنا تركه لنا آباؤنا وأجدادنا قبلةَ أنظار، ومضرب مثل في العمران والازدهار.
ويطيب لنا في هذ
ه الأيام الفصحية أن نتمنّى لكم جميعا عيد فصح مبارك، يحمل الى كل منكم الفرح الروحي، وطمأنينة البال، وعودة وطننا الحبيب الى سابق عهده بالأمان والازدهار والسلام.
DERNIÈRES NOUVELLES
Mar 23, 2008 00:00