“العنصر الأساسي في الأزمة هو العجز في الأخلاقيات”
حاضرة الفاتيكان، الخميس 2 أبريل 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي نص الرسالة التي بعثها بندكتس السادس عشر يوم الاثنين الفائت إلى رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين اليوم في لندن.
***
سعادة السيد غوردن براون المحترم،
رئيس الحكومة،
رئيس الحكومة العزيز،
خلال زيارتكم الأخيرة إلى الفاتيكان، تفضلتم بإطلاعي على القمة التي تنعقد في لندن يومي الثاني والثالث من أبريل 2009 بمشاركة ممثلين عن أكبر الاقتصادات العشرين الموجودة في العالم. إن هذا اللقاء وكما أوضحتم يهدف إلى المسارعة إلى تنسيق التدابير اللازمة من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية وتمكين الشركات والعائلات من مقاومة هذه الفترة من الركود العميق بغية استعادة نمو مستدام في الاقتصاد العالمي وإصلاح نظم الإدارة العالمية وتعزيزها فعلياً في سبيل ضمان عدم تكرار أزمة مماثلة في المستقبل.
إنني من خلال هذه الرسالة أود أن أعبر لكم ولرؤساء الدول والحكومات المشاركين في القمة عن تقدير الكنيسة الكاثوليكية وتقديري لأهداف اللقاء النبيلة المبنية على القناعة المشتركة بين جميع الحكومات والمنظمات الدولية المشاركة بأن المخرج للأزمة العالمية الراهنة لا يمكن بلوغه إلا معاً مع تفادي الحلول المتميزة بالأنانية أو الحمائية الوطنيتين.
إنني أكتب هذه الرسالة على أثر عودتي من إفريقيا حيث أتيحت لي فرصة رؤية واقع الفقر والتهميش الحادين اللذين تكاد الأزمة تزيد من حدة خطورتهما على نحو واسع. كما أنني تمكنت من رؤية الموارد البشرية الرائعة التي تنعم بها تلك القارة والتي يمكن تقديمها إلى العالم أجمع.
إن قمة لندن تماماً كنظيرتها التي عقدت في واشنطن سنة 2008 تقتصر فقط ولأسباب عملية وملحة على دعوة هذه الدول التي تمثل 90% من إجمالي إنتاج العالم و80% من التجارة العالمية. في هذا الإطار، تتمثل دول إفريقيا جنوب الصحراء بدولة واحدة وبعض المنظمات الإقليمية. وهذا الوضع من شأنه أن يحث على عمق التفكير بين المشاركين في القمة لأن أصحاب أضعف تمثيل في الأصوات على الساحة السياسية هم تماماً أصحاب أكبر معاناة من التأثيرات الضارة الناجمة عن أزمة لا يتحملون مسؤوليتها. علاوة على ذلك فهم الذين يتمتعون على الأمد الطويل بأكبر إمكانية على المساهمة في تقدم الجميع.
لذلك من الضروري الانتقال إلى الآليات والبنى المتعددة الجوانب التي تشكل جزءاً من الأمم المتحدة ومنظماتها المرتبطة بها في سبيل الإصغاء إلى أصوات كافة البلدان وضمان حصول التدابير والخطوات المتخذة خلال اجتماعات مجموعة العشرين على دعم الجميع.
في الوقت عينه، أود الإشارة إلى سبب آخر للحاجة إلى التفكير خلال انعقاد القمة. إن الأزمات المالية تحدث – جزئياً بسبب انحطاط السلوك الأخلاقي السليم – عندما يفقد العاملون في القطاع الاقتصادي ثقتهم بطرق عمله وبأنظمته المالية. ومع ذلك فإن المالية والتجارة ونظم الإنتاج هي مبتكرات بشرية تحمل في طياتها جذور سقوطها في حال أصبحت موضع ثقة عمياء. إن القاعدة الحقيقية الوحيدة الأكثر صلابة هي الإيمان بالإنسان. لذلك لا بد من أن تسعى كافة التدابير المطروحة لكبح هذه الأزمة إلى توفير الطمأنينة للعائلات والاستقرار للعمال، وإعادة الأخلاقيات إلى عالم المال من خلال نظم وضوابط ملائمة.
لقد أدت الأزمة الراهنة إلى ظهور شبح إلغاء برامج المساعدة الخارجية أو تخفيضها الحاد بخاصة لإفريقيا وللبلدان الأقل نمواً في المناطق الأخرى من العالم. إن المساعدات التنموية بما فيها الشروط التجارية والمالية المؤاتية للبلدان الأقل نمواً وإلغاء الديون الخارجية للبلدان الفقيرة والأكثر مديونية لم تسبب الأزمة وبالتالي ومن باب العدالة الأساسية يجب ألا تكون ضحية لها.
إن كان العنصر الأساسي للأزمة هو عجز في الأخلاقيات ضمن البنى الاقتصادية، فالأزمة عينها تعلمنا أن الاخلاقيات ليست “خارجة” عن الاقتصاد وإنما هي جزء منه وأن الاقتصاد لا يعمل إن لم يتكون من جزء أخلاقي.
وفقاً لذلك، فإن الإيمان المتجدد في الإنسان الذي لا بد له من تشكيل كل خطوة نحو إيجاد حل للأزمة، يطبق على أفضل نحو من خلال تقوية جريئة وسخية للتعاون الدولي، قادرة على تعزيز نمو إنساني وشامل. إن الإيمان الإيجابي بالإنسان، والإيمان أولاً بأفقر الرجال والنساء – في إفريقيا وفي المناطق الأخرى من العالم التي تعاني من الفقر المدقع – هو المطلوب إن أردنا فعلاً التخلص نهائياً من الأزمة مع إيلاء اهتمام بكل المناطق، وإن أردنا تجنب تكرار أزمة مماثلة للأزمة الحالية.
أود أيضاً أن أضم صوتي إلى أصوات أتباع مختلف الديانات والثقافات الذين يشاركونني القناعة بأن إزالة الفقر المدقع التي التزم بها القادة في قمة الألفية للأمم المتحدة مع حلول سنة 2015 تبقى إحدى أهم المهمات في عصرنا.
رئيس الحكومة المحترم، أبتهل إلى الله الكلي القدرة أن يفيض بركاته على قمة لندن وعلى كافة الاجتماعات المتعددة الأطراف الساعية حالياً إلى إيجاد سبل لحل الأزمة المالية وأغتنم هذه الفرصة مجدداً لأوجه لكم تحياتي الحارة وأعبر لكم عن خالص التقدير.
من الفاتيكان، في 30 مارس 2009