الباب يمنح سر العماد المقدس لخمسة موعوظين راشدين
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الأحد 12 أبريل 2009 (Zenit.org). – ترأس الأب الأقدس بندكتس السادس عشر مساء أمس السبت عشية الفصح المجيد وقام بمنح سر العماد لخمسة الموعوظين الراشدين. خلال العشية ألقى الأب الأقدس عظة شرح فيها بعض الرموز التي تستعلمها الكنيسة لتفهمنا سر القيامة.
إنطلق الأب الأقدس في عظته مبينًا أن القيامة هي واقع لا يدخل في إطار خبراتنا العادية واليومية، “ولذا فغالبًا ما يبقى فحواها أمرًا من الماضي إلى حد ما”. ولهذا السبب تسعى الكنيسة إلى أن تقودنا لفهمها من خلال ترجمة هذا الحدث الغامض في لغة الرموز التي نستطيع من خلالها نوعًا ما أن نتأمل هذا الحدث المدهش. في عشية الفصح، تعرض الكنيسة علينا معنى هذا اليوم من خلال رموز ثلاثة بشكل خاص: النور، الماء والنشيد الجديد – الهليلويا.
رمز النور
في كلامه عن الرمز الأول، رمز النور، أشار البابا إلى أن كتاب التكوين في حديثه عن الخلق يبدأ مقدمًا الله الذي يقول: “ليكن النور!”. “فحيث هناك نور، تزهر الحياة، ويستطيع الخراب أن يضحي كونًا”.
في رسالة الكتاب المقدس، “النور هو الصورة الأكثر قربًا من الله”: وفي عشية الفصح، تقرأ الكنيسة نص الخلق “كنبوءة” إذ في القيامة “يتحقق بشكل أسمى ما يصفه النص كبدء كل الأشياء”. يقول الله من جديد: “ليكن النور!”. وقيامة المسيح هي “دفق نور”.
ولكن لماذا المسيح هو النور؟
في جوابه على هذا السؤال شرح البابا أن التوراة في العهد القديم كانت تُعتبر “نورًا آتيًا من الله إلى العالم وإلى البشر. فهي تفصل في الخليقة النور عن الظلام، أي الخير عن الشر، وتدل الإنسان على السبيل القويم للعيش الحق”. هذا ويعرف المسيحيون أن “التوراة حاضرة في المسيح، فكلمة الله حاضرة فيه كأقنوم. كلمة الله هي النور الحق الذي يحتاجه الإنسان. هذه الكلمة حاضرة فيه، في الابن”.
“في قيامته بزغ ابن الله كَنُور على العالم. المسيح هو النور العظيم الذي منه تنبع كل حياة”.
وبالحديث عن عشية الفصح، قال الأب الأقدس: “تمثل الكنيسة سر نور المسيح في رمز شمعة الفصح، التي تشكل شعلتها في الوقت عينه نوراً ودفئًا. ترتبط رمزية النور برمزية النار: الإشعاع والدفء، الإشعاع وقوة التحول التي تحتويها النار – الحقيقة والحب يسيران سوية. تتوقد شمعة الفصح وبهذا الشكل تذوب: لا فصل بين الصليب والقيامة”.
رمز الماء
يظهر الماء في الكتاب المقدس، وبالتالي في الهيكلية الداخلية لسر المعمودية في معنيين متعارضين. هناك من ناحية البحر الذي يظهر “كالسلطان المعادي للحياة على الأرض، كالتهديد المستمر الذي وضع الله له حدًا”. إنه “عنصر الموت”. وبهذا الشكل يضحي تمثيلاً رمزيًا لموت المسيح على الصليب. وبهذا المعنى المعمودية “ليست فقط غسلاً، بل ولادة جديدة: وكأننا ننزل مع المسيح في بحر الموت، لكي نصعد منه خلائق جديدة”.
الطريقة الثانية التي نلتقي فيها بالماء هي “كنبع منعش، يهب الحياة، أو أيضًا كنهر عظيم تتدفق منه الحياة”. لذا بحسب تقليد الكنيسة الأولي، كان يجب منح المعمودية في نبع مياه عذب. من دون الماء ما من حياة.
يخبرنا القديس يوحنا أن جنديًا طعن جنب يسوع بحربة ومن جنبه المفتوح – من قلبه المطعون – خرج دم وماء (راجع 19، 34). الكنيسة القديمة رأت في هذا رمز المعمودية والافخارستيا الذين ينبثقان من قلب يسوع المطعون.
ولكن في خطاب خلال عيد المظال، تنبأ يسوع عن أمر أعظم من هذا: “من يؤمن بي… تجري من أحشائه أنهار ماء حي” (يو 7، 38).
“في المعمودية، لا يجعلنا الرب أبناء للنور وحسب، بل أيضًا ينابيع يفيض منها الماء الحي”.
رمز النشيد الجديد
“الرمز الثالث العظيم في عشية الفصح هو ذو طبيعة خاصة جدًا؛ فهو يتعلق بالإنسان بالذات. إنه إنشاد النشيد الجديد – هليلويا. عندما يختبر الإنسان فرحًا عارمًا، لا يستطيع أن يحتفظ به لذاته. يجب أن يعبر عنه وأن ينقله إلى الآخرين”. وتحدث الأب الأقدس في هذا الإطار عن عبور شعب إسرائيل البحرَ الأحمر: “لقد أُعتق إسرائيل من العبودية، ونجا من أعماق البحر المهددة وكأنه ولد من جديد واعترف بالله وأنشد له؛ “في عشية الفصح، سنة بعد سنة، ننشد كمسيحيين بعد القراءة الثالثة هذا النشيد، ننشده وكأنه نشيدنا، لأننا نحن أيضًا من خلال قوة الله خلصنا من الماء وحُرّرنا للحياة الحقة”.
جاذبية الحب الأقوى
هذا وأشار البابا إلى أن الكنيسة تسير دومًا في شبه بحر من النار والبرد ومن وجهة النظر البشرية، يجب عليها أن تغرق. ولكن “بينما تسير في وسط البحر الأحمر تغني – تنشد نشيد تسبيح الأبرار: نشيد موسى والحمل، الذي يتناغم فيه العهد الجديد والقديم. وبينما يبدو أنه يجب عليها أن تغرق، تغني الكنيسة شكر المخلصين”.
“في إنشادها تمسك بيد الرب، الذي يبقيها فوق المياه. وهي تعرف أن هذا الأمر يرفعها فوق قوى جاذبية الموت والشر – قوة لا نجاة منها سوى بواسطة هذا السبيل – يرفعها ويجذبها داخل قوة جاذبية الله الجديدة، قوة الحق والحب”.
وأضاف: “في هذا الوقت، ما زالت بين حقلي جاذبية. ولكن منذ أن قام المسيح، باتت جاذبية الحب أقوى من جاذبية الكره؛ قوة جاذبية الحياة هي أقوى من قوة جاذبية الموت”.