المونسنيور عبده واكد
الأشرفية – لبنان، الثلاثاء 21 أبريل 2009 (zenit.org). – في يوم الجمعة العظيمة، العظيمة بحبّ الربّ العظيم المتجلّي على الصليب، نتأمّل مسيحنا، جوهر الآب وضياء مجده، الكبير الأكبر، يخلي مجده، ويصبح بين أيدي صالبيه كالصغير الأصغر، والحقير الأحقر، فيساق كشاةٍ إلى الذبح ولا يفتح فاه! من له الحكم والسلطان كله، يضع مصيره بين أيدينا نحن البشر، بوسعنا أن نحكم عليه، وبوسعنا أن نطلق سراحه. وقد حكمنا عليه هو البريء، بالموت صلباً على خشبة العار، ليموت موت المجرمين، بعد أن أطلقنا المجرم باراباس لنُطلق العنان لشهواتنا: كشهوة السلطة المتمثلة ببيلاطس، وشهوة المال، المتمثلة بيهوذا، وشهوة الجنس المتمثلة بهيرودوس، وشهوة راحة الضمير بأقلّ خسائر ممكنة المتمثلة برؤساء الكهنة والفريسيين عبّاد العبادات والطقوس والحرف والقانون. نعم بشهوات كتلك، قتلناه ونقتله، أسقطناه من حساباتنا ونُسقطه، أمّا هو فلا! بل في آخر شهقة له وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على صليب الفداء، لفظ بإسمنا هذه الكلمات المجنونة، جنون الصليب “إغفر لهم يا أبتاه، لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون!” قال هذا وأسلم الروح ليسلّمنا إيّاه روحاً حيّاً ومُحيياً، روحاً غافراًً ومقدِّساً، روحاً جذاباً ورافعاً للبشرية بجاذبية الحبّ الأقوى من الموت!” وأنا متى ارتفعت رفعت إليّ كل أحد”. “واحبيبي واحبيبي سُلّم الموت إليك فتسلّمناحياةً من جراحات يديك. قادك الحبّ إليّ فتقلّدت الصليب وتحمّلت لأجلي غصّة الموت الرهيب”… أيّ حبّ عظيم هذا، أيّ إله أنت؟
عفوك ربّي، رحماك، أخالك تقول لي ولإخوتي المؤمنين، أنا لست بحاجة إلى اطرائكم ومديحكم ولا إلى شفقتكم ودموعكم. دعوني يا مسيحيي لبنان أسألكم ماذا خرجتم في هذا اليوم العظيم تنظرون؟ تأتون بالآلاف إلى الكنائس، لأي غرض تأتون؟ ألتلقوا زهرةً على قبري وتتبرّكوا من صليبي ولتمشوا في جنازتي ثمّ تدحرجون على قبري حجراً كبيراً وكبيراً جداً، من صنع خطاياكم الكبيرة، لئلا أقوم ثانية وأزعجكم فأحرجكم وأخرجكم من قبوركم وعبوديّاتكم لآلهة كاذبة وضمانات خادعة! ترى أيكون إيمانكم بي وبصليبي مجرّد تقوى خارجيّة فيصح فيكم ما قلته في اليهود: “هذا الشعب يكرّمني بشفتيه أمّا قلبه فبعيد منّي”.
أيّها المسيحييون، عبثاً تُلقون الزهر على قبري ما لم تلقوا معها بخطاياكم كلّها فأدفنها معي، تموتون عنها، لتحيوا بقيامتي خليقة جديدة.
لا يا مسيحيي لبنان، لا تبكوا عليّ بل ابكوا على خطاياكم، وعلى مصيركم ومصير أولادكم. لأنكم إن لم تتوبوا إليّ وإلى بعضكم البعض، تنهشون بعضكم بعضاً ويُفني واحدكم الآخر، ويأتي الغريب ويفني هذا الآخر وتموتون جميعكم. الحقّ، الحقّ، أقول لكم عبثاً تتبرّكون بصليبي، ما لم يكن حاملاً ومُطهّراً ومقدّساً وفادياً لصليبكم المغروس في حياتكم اليومية وهكذا فقط يصبح صليبكم عن حقّ علامة فارقة لكم كتلاميذي، لا بل كبطاقة هويتكم، وشهادة حبّكم لي ولبعضكم بعض، حبّ غير مرتد، حبّ بلا سقف،حبّ قياميّ،حبّ نورانيّ؛ أيّاً كانت درجة اختلاف فكركم وطباعكم وانتماءاتكم السياسيّة. لأن ما يجمعكم أكبر بكثير ممّا يفرّقكم!. أنا الكبير الأكبر من الجميع، أجمعكم بجسدي الواحد الذبيح من أجلكم والمنتصر من أجلكم وأنتم كلّكم فيه لأعضاء. إنْ تألّم عضو تألمت سائر الأعضاء وإن فرح عضوٌ فرحت سائر الأعضاء. اتّحدوا بي، أنا وحدي لكم الطريق والحق والحياة وكلّ ما عداي نسبيّ وفانٍ . قولوا لي ،هل من زعيم سياسيّ صُلب عنكم أو مات من أجلكم؟؟. لماذا إذاً تقولون: “بالروح بالدم نفديك يا فلان”؟؟ وأنتم مستعدّون أن تخسروا من أجله كل شيء حتى الأهل والأصدقاء والجيران، حتى الحياة. بولس قال كلاماً كهذا ،ولكن عنّي أنا وحدي، قال: “أنا مستعدّ أن أخسر كلّ شيء وأموت من أجل من خسر كلّ شيء ومات لأجلي”.وأنت هل مستعد أن تقول لمسيحك دون سواه:” بالروح بالدم نفديك يا يسوع”؟؟ “حياتي هي المسيح والموت ربح لي” وما همّني إن خسرت كلّ شيء وربحت المسيح؟”. ويا ويْلك إن خسرتَ المسيح وربحت كلّ شيء. أنا عطشان، عطشان إلى قلوبكم يا مسيحيي لبنان، لأفرغها من خطاياها وجهالاتها وأحمّلها من صليبي الظافر، شجرة الحياة، كلّ ثمار الحبّ والسلام، كلّ ثمار المصالحة والغفران.
أنا عطشان، عطشان إلى قلوبكم لأحملّها كل رسالتي الخلاصية وكلّ لاهوتي المختصر الذي كتبته بدمي على خشبة الصليب، ومن لا يعرف أن يقرأ، فليصمت أمام صليبي وليتأمّل عميقاً، وليقابل عطشي بعطشه. وهكذا أضرب لكم جميعاً موعداً مع القيامة، اليوم اليوم وليس غداً!
– العنوان : مستديرة قلب يسوع ، على ملتقى النهرين وتقاطع الحبّين، باتجاه قلب يسوع المطعون بالحربة، مقابل قلب الإنسان الطالب الرحمة.
آمين آمين آمين…