كاستل غاندولفو، الأربعاء 19 أغسطس 2009(Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القصر الرسولي في كاستل غاندولفو قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 16 أغسطس 2009.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
بعد احتفالنا البارحة بعيد انتقال العذراء إلى السماء، نقرأ اليوم في الإنجيل هذه الكلمات من يسوع: “أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء” (يو 6، 51). هنا لا يمكننا عدم المبالاة بهذا التماثل الذي يدور حول رمز “السماء”. فقد “ارتفعت” مريم إلى المكان الذي “نزل” الابن منه.
تعبر هذه اللغة البيبلية بمصطلحات مجازية عن شيء لا يدخل بالكامل إلى عالم مفاهيمنا وخيالنا. ولكن، فلنتوقف هنيهة من أجل التأمل. يعرف يسوع عن نفسه بـ “الخبز الحي”، أي الغذاء المشتمل على حياة الله والقادر على منح هذه الحياة إلى من يأكله هو الغذاء الحقيقي المعطي الحياة الذي يغذي بعمق. يقول يسوع: “من يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أقدمه أنا، هو جسدي، أبذله من أجل أن يحيا العالم” (يو 6، 51).
ولكن، ممن اتخذ ابن الله “جسده”، أي طبيعته البشرية المادية والأرضية؟ لقد اتخذها من العذراء مريم. أخذ الله منها جسداً بشرياً ليدخل إلى وضعنا البشري الفاني. وفي نهاية وجود بشري، رفع الله جسد العذراء إلى السماء ليدخل إلى الوضع السماوي. إنه تبادل يأخذ الله فيه دوماً المبادرة وإنما يحتاج فيه أيضاً إلى حد ما وكما لاحظنا في مناسبات أخرى إلى مريم، إلى قبول هذه المرأة، إلى جسدها ووجودها المادي لتحضير تضحيته: الدم والجسد اللذين سيبذلان على الصليب كوسيلة للحياة الأبدية، وفي سر الافخارستيا كغذاء وشراب روحيين.
إخوتي وأخواتي الأعزاء، ما حصل مع مريم يصح أيضاً مع كل رجل وامرأة على الرغم من اختلاف الطرق لأن الله يسألنا جميعاً أن نرحب به ونضع قلوبنا وأجسادنا ووجودنا تحت تصرفه – حسبما يقول الكتاب المقدس – ليقيم في العالم.
إنه يدعونا إلى الاتحاد معه في سر الافخارستيا، الخبز المكسور من أجل حياة العالم، وإلى بناء الكنيسة جسده في التاريخ. إن قلنا “أجل” كمريم، سيحصل هذا التبادل الخفي لنا وفينا: فنلبس عزة من اتخذ طبيعتنا البشرية.
إن الافخارستيا هي السبيل لهذا التحول المتبادل الذي يبقى الله فيه دوماً المرام والنصير الرئيسي: هو الرأس ونحن الأعضاء. هو الكرمة ونحن الأغصان. من يأكل من هذا الخبز ويعش في اتحاد مع يسوع، سامحاً لنفسه أن يتحول به وفيه، ينجُ من الهلاك الأبدي. هذا الشخص سيموت بالتأكيد كغيره من البشر ويشارك أيضاً في سر آلام المسيح وصليبه ولكنه لن يكون بعد الآن عبداً للموت وسيرفع في اليوم الأخير لينعم بالعيد الأبدي مع مريم وجميع القديسين.
هذا السر، عيد الله يبدأ في ما يلي: إنه سر الإيمان والرجاء والمحبة الذي يحتفل به في الليتورجيا، بخاصة في الليتورجيا الافخارستية، ويعبر عنه في الاتحاد الأخوي مع الآخرين وخدمتهم. فلنسأل العذراء القديسة أن تساعدنا على أن نغذي أنفسنا بإيمان دائم من خبز الحياة الأبدية فنختبر فرح السماء على الأرض.
* * *
نقلته إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية
حقوق الطبع محفوظة – مكتبة النشر الفاتيكانية