كلمة سيادة المطران بولس آميل سعاده رئيس اللجنة البطريركية لاحتفالات يوبيل مار مارون

في اللقاء الاحتفالي « من المشرق إلى الكون»

Share this Entry

شننعير، الجمعة 5 فبراير 2009 (Zenit.org). –  ننشر في ما يلي كلمة سيادة المطران بولس آميل سعاده رئيس اللجنة البطريركية لاحتفالات يوبيل مار مارون في اللقاء الاحتفالي « من المشرق إلى الكون» الذي عقد نهار  الأربعاء 3 شباطفبراير 2010، في دير مار مارون الرويس- شننعير.

* * *

في مؤتمرنا الصحفي الذي عقدناه الأربعاء الماضي 27 كانون الثاني، أعلّنا عن إطلاق احتفالات السنة اليوبيلية التي أقرّها  أبونا صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الكلي الطوبى ومجلس المطارنة لمناسبة مرور ألف وستماية سنة على وفاة القديس مارون الناسك والكاهن.

انها المرة الأولى التي تعلن فيها كنيستنا المارونية سنة يوبيلية لأبيها وشفيعها ومُلهم روحانيتها الانطاكية المميزة القديس مارون.

ستكون هذه السنة اليوبيلية سنة مقدسة تحمل شعار: « مار مارون – شهادة إيمان ومسيرة شعب» وتدعو إلى مسيرة صلاة وتضحية وفحص ضمير وفعل توبة وفرصة تفكير عميق من أجل تنقية القلوب وتغيير الذهنيات.

ستكون دعوة إلى العودة إلى حياة مار مارون وإلى تاريخ مسيرة الكنيسة المارونية والتأمل فيهما وأخذ العبر وإحياء القيم المارونية في التزام أبناء مارون الديني والكنسي والاجتماعي والسياسي والثقافي. ستكون سنة تطرح في خلالها كنيستنا المارونية، أمام الرب، أسئلة على ذاتها حول أمانتها لهوّيتها ولرسالتها الانجيلية وحول مدى التزامها بعيش هذه الهوية وهذه الرسالة شهادة للمسيح الرب والمخلص في عالمنا اليوم.

وسنسعى إلى إعادة اكتشاف جذورنا الايمانية، وإلى توعية شبابنا وصبايانا وأجيالنا الطالعة، على أهمية الرسالة التي يحملون مع كنيستهم بإسم المسيح، وخطورة الدور الذي ينتظرهم في مواجهة تحديات الحضور المسيحي في الشرق، وذلك في ضوء الإرشاد الرسولي « رجاء جديد للبنان» والمجمع البطريركي الماروني.

            القديس مارون، الذي قال عنه مطرانه تيودوريطس القورشي إنه « زينةٌ في خورس القديسين الإلهيين»، ترك كل شيء ونذر نفسه للمسيح.

فعاش على قمة جبل في العراء مكرّساً وقته للصلاة والصوم والتقشف والعمل في الأرض والتعليم للناس الذين كانوا يتقاطرون إليه. فطلب إليه مطرانه أن يرسمه كاهناً لخدمتهم في التعليم والأسرار الإلهية. ومنحه الله موهبة شفاء الأمراض الجسدية والنفسية.

            وأما تلاميذه الذين كانوا بمثابة « الفردوس المزهر في جوار قورش»، والذين كانوا يشهدون للمسيح بعيشهم روحانية معلّمهم مار مارون فقد اشتهر منهم ابراهيم القورشي رسول لبنان وسمعان العمودي الذي أرسل تلاميذه إلى منطقة الجبة.

            ما نتعلم من حياة مارون وتلاميذه أنهم كلهم تركوا كل شيء ليتبعوا المسيح. ذهبوا إلى قمم الجبال يعيشون حياة النسك والزهد في الدنيا. انطلقوا بعدها إلى التبشير بالانجيل والشهادة للمسيح.

فالحياة النسكية كانت مرحلةَ تعّمقٍ روحيٍ واقترابٍ من الله قبل المباشرة بالحياة الرسولية.

فكانت مقوّمات الحياة النسكية عندهم:

·         العيش في العراء وعلى قمم الجبال، ما يسمح لهم بالاقتراب من الله والابتعاد عن الناس؛  العيش بين السماء والأرض.

·         الوقوف الدائم علامة الاستعداد الدائم، او المطانيات أي السجود حتى الأرض علامة حقارة الانسان أمام عظمة الله.

·         الصلاة المتواصلة ليل نهار والابتهال إلى الله. السهر والصمت العميق حتى الاستغراق بالله.

·         التقشف وقهر الذات.

·         العمل في الأرض، ما كان يجعلهم يحبون الأرض التي تشرب من عرق جبينهم.

أما مقومات الحياة الرسولية فكانت:

الهجرة من أجل الرسالة وعيش الحرية والكرامة الانسانية. امتازوا بتبشير الوثنيين، فحوّلوا المعابد إلى كنائس؛ منحهم الله موهبة صنع المعجزات؛ فأتاهم الناس بكثرة وتتلمذوا على يدهم.بناء الأديرة لتكون مرجعاً للمؤمنين في كل المناسبات، ومنها للصلاة والتعليم والتبشير.

فكانت روحانيةُ مارون وتلاميذهِ روحانيةَ الصليب التي ترتكز على بُعدين أو خطّين: الخط العمودي لهذا الصليب هو خط النسك والعبادة والصلاة. خط علاقتنا بالله. خط يربط الأرض بالسماء. أما الخط الأفقي فهو خط التبشير والكرازة، خط الرسالة، خط يربط أهل الأرض بعضهم بالبعض الآخر.

فكانت إذاً روحانيَتُهم روحانيَةَ الصليب، وكان شعبُ مارون والموارنةُ من بعدهم جماعةَ الصليب في كنيسة الألم، أو « جماعةَ الصلبوت في كنيسة الناسوت»، كما يقول الخوري العلاّمة يواكيم مبارك.

اننا مدعوون اذاً، نحن الموارنة اليوم، وفي خلال هذه السنة اليوبيلية، إلى وقفة ضمير من أجل مراجعة الذات والقيام بفعل توبة صادق واتخاذ العبر في استشراف المستقبل.

والسنة الكهنوتية وسنة مار مارون اليوبيلية يدعواننا إلى وقفة الضمير هذه لنعود إلى ذواتنا ونغيّر ذهنياتنا ونتجدّد بالعودة إلى أصالة روحانيتنا الانطاكية السريانية المارونية.

وهذا يتطلّب منا:

–        على الصعيد الروحي:

·         العودة إلى الله وإلى الذات والقيام بتوبة صادقة لكي ننبذ الانسان القديم فينا، آدم الأول، ونتبنّى الانسان الجديد، آدم الجديد يسوع المسيح (روما 5/12-21). فنتغلّب على الخوف والقلق فينا ونحوّلهما إلى قوة ورجاء مع المسيح وبقوة الروح القدس.

·         العودة إلى الصلاة والابتهال إلى الله والصمت المستغرق با
لله في سكون الليل.

·         تبنّي موقف الحق، موقف الأنبياء الذي لا يساوم. «فليكن كلامكم نعم نعم ولا لا» (متى 5/37).

– على الصعيد الكنسي:

·         الحفاظ على ثوابت كنيستنا ودور البطريركية فيها. انها مرجعنا الوحيد ونحن أبناؤها ومعنيون بتاريخها ودورها ورسالتها في العالم.

·         وعيُنا للدور الذي لعبته وستلعبه كنيستنا في مجال الحوار المسكوني بين الكنائس وبخاصة الانطاكية منها والحوار الصادق مع المسلمين في الاطار الجغرافي والثقافي الشرق أوسطي. والكنيسة الجامعة تنتظر منا أن نعزز هذا الدور وهذا الحوار.

– على الصعيد الاجتماعي والثقافي والحضاري:

العودة إلى روحانية الأرض، هي التي كانت سبب خصوصيتنا المارونية ووجودنا الحرّ. علينا أن نعود إلى أرضنا ونتعلّق بها ونسخى عليها وندافع عنها لما تمثل بالنسبة إلينا من قيمة عليا في تضامن الشعب في السراء والضراء. العودة إلى لعب الدور الحضاري والثقافي الذي تميّز به الموارنة في كنائسهم وأديارهم ومدارسهم؛ وكانوا رواد النهضة في الشرق والغرب.

– على الصعيد الوطني:

العودة إلى الانفتاح والحرية والعيش المشترك، من أجل إعادة بناء لبنان الذي أردناه نموذجاً في الحرية والديمقراطية واحترام تعددية الأديان والحضارات والثقافات. انه «لبنان الرسالة» الذي اتخذه البابا يوحنا بولس الثاني مثالاً لشعوب الأرض وأوطانه.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير