بقلم روجيه أصفر*
صربا، الخميس 18 فبراير 2010 (Zenit.org). –"نقل الأعضاء يكون متوافقًا والشريعةَ الأخلاقيّة، إذا كانت الأخطار والمجازفات الطبيعيّة والنفسيّة الحاصلة للمعطي تتناسب والخيرَ المطلوب للمستفيد. وإعطاء الأعضاء بعد الموت عملٌ نبيلٌ جديرٌ بالثواب ويجب تشجيعه على أنّه علامة تضامنٍ سخيّ. ولكنه غير مقبولٍ أخلاقيًّا إذا كان المعطي، أو من يتولّون أمره من أقربائه، لم يرضوا به رضىً صريحاً. ولا يمكن القبول، من الدرجة الأخلاقيّة، بالتسبّب المباشر بالتشويه المولِّد العجز، أو بالموتِ للكائن البشريّ، حتى في سبيل تأخير موت أشخاصٍ آخرين."( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2296، ص652-653).
إن هذا النص الكاثوليكي المرجعي يعبر بوضوح وجلاء عن موقف الكنيسة الأخلاقي من موضوع وهب وإزدراع الأعضاء البشرية، إنه موقف يسمح بل يشجع هذه العملية بشروط تكاد تبدو لنا شروطاً بديهية في عالم اليوم: التناسب بين الأخطار التي سيتعرض لها الواهب والخير الذي سيتأتى للمستفيد، القرار الحر والواعي من قبل الواهب الحي ومن قبل ولي أمر الواهب المتوفي، الحفاظ على صحة الواهب والمجانية في الوهب...
وكمبدأ عام فإن كون هبة إزدراع الأعضاء تعتبر كخدمة تقدم للحياة، ترسم القيمة الأخلاقية لهذه الممارسة وتشرع لإستعمالها الطبي (مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، شرعة العاملين في القطاع الصحي، ص45).
ومن الناحية اللاهوتية يقول الأب إدغار الهيبي ممثلاً صاحب الغبطة مار نصرلله بطرس صفير، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للموارنة: "إن الكنيسة تؤمن ان الله تجسّد. أي صار انساناً. وبتجسده أدخل الانسان بكل ابعاده في سرّ محبته اللامتناهية. مما يجعل من المسؤولية الطبية والاجتماعية في زرع الأعضاء دعوة ايجابية مقدّسة في خدمة الإنسانية شرط ألا تتعارض مع كرامة الإنسان بكل أبعاده. كل إنسان. والايمان بأن الإله المخلص يسوع المسيح تجسّد ومات ثم قام يؤكّد على أن الخلاص الحقيقي لا ينحسر بمفهوم الصحة الجسدية والحياة الأرضية. إنما يتخطاها الى عالم اللقاء الأبدي بسر المحبة الأبدية. وبالتالي على الوعي الطبّي والاجتماعيّ في زرع اعضاء أل ]وردت هكذا في النص الأصلي[ يمزج بين مفهومَيّ الصحة والخلاص."( موقع اللجنة الوطنية (اللبنانية) لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة على شبكة الإنترنت: http://www.nootdt.org/n/pages/religion.ctl.htm ).
ولم يفت الكنيسة أن تشير إلى عدم جواز إزدراع بعض الأعضاء، إذ قد صدر عن ميثاق الموظفين العاملين في القطاع الصحي وبتشجيع من المجلس البابوي من أجل العمل الرعوي في خدمة الصحة ما نصه: "ليست الأعضاء كلّها على الصعيد الأخلاقيّ قابلة للزّرْع. فينبغي لنا استبعاد زَرْع الدماغ والغدد التي تحافظ على هويّة الشخص ووحدة الإنجاب. ذلك أنّ الأمر يتعلّق بالأعضاء التي تملك طابعًا خاصًّا بالشخص لا يمكن استبداله "( جوزف معلوف، المسألة الأخلاقيّة في العلوم الطبّيّة، ص135).
كما لا تزال الكنيسة حذرة في موقفها تجاه إزدراع أعضاء حيوانية في الجسم البشري، فالأمر مازال غير مألوف، ويطرح كثيراً من التساؤلات الجدية والخطيرة تتعلق بمدى نجاح عملية من هذا النوع وبرفض الجسم البشري للعضو الحيواني الغريب، بالإضافة إلى تساؤلات تخص التغير العضوي الذي يصيب بنية الإنسان المستفيد من زرعٍ كهذا. وهنا كما في كل ما يختص بأخلاقيات الطب وموقف الكنيسة من جهة، والتطور العلمي الطبي من جهة أخرى "من دواعي الفطنة... أن نأخذ بعين الاعتبار أهمّيّة الوقت في معاطاتنا مع كلّ حدث، كي نتوصّل إلى رؤية أخلاقيّة تكون أقرب إلى الموضوعيّة منها إلى التشنج والتباعد بين العلوم والدين. فالوقت يسهم في تصفية الأمور ويساعد المجتمع على بلورة الأحداث وتوضيحها... إنّ التركيز على عامل الوقت... ليس تدريبًا على الصبر و تحمّل الأسى فحسب، إنّما تدريب على التحلّي بنوع من الأمل العاقل، كي نساعد الآخر على اكتشاف رؤية مستقبليّة واقعيّة."( جوزف معلوف، الأخْلاق وَالطِّبّ، ص68-69).
ولا ينتهي الأمر أخلاقياً حسب رأي الكنيسة بمجرد توفر شروط الوهب والإزدارع بل يتجاوز هذا المرحلة وصولاً إلى التشديد على معاملة أجساد الواهبين المتوفين باحترام ومحبة، في الإيمان ورجاء القيامة، لإكرام أولاد الله هياكل الروح القدس (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2300 و2301، ص654).
- خاتمة:
مما سبق يمكن الملاحظة أن الموقفين الأخلاقي والكنسي يعبران بوضوح وتفصيل عن كل ما يخص موضوع بحثنا، بل وحتى مبادىء منظمة الصحة العالمية بما يخص وهب وإزدراع الأعضاء ليست بعيدة عن ما تراه الكنيسة، وربما من حسن الحظ أن المؤسسات الدينية والعلمية تتفق هنا في حين نراها متنافرة متخالفة في موضوعات أخرى كثيرة تدخل ضمن إطار أخلاقيات الحياة كالإخصاب الإصطناعي والإجهاض والقتل الرحيم... ويبدو أن أغلب التشريعات والقوانين المتعلقة بوهب وإزدراع الأعضاء التي وضعت من قبل الدول تدعم بقصدٍ أو بدون قصد المبادئ الكنسية في هذا الخصوص.
- - -
* راهب باسيلي حلبي.