معمودية المسيح الثانية وعرس الصليب

الكنيسة عروسة المسيح بحسب القديس افرام السرياني (5)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس 18 فبراير 2010 (Zenit.org). – إن معمودية الأردن التي قبلها المسيح هي صورة لمعمودية ثانية يزمع يسوع أن يقبلها. يتحدث عن هذه المعمودية في حادث ابني زبدى على سبيل المثال: “ودنا إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدى، فقالا له: «يا معلم، نريد أن تصنع لنا ما نسألك». فقال لهما: «ماذا تريدان أن أصنع لكما؟». قالا له: «امنحنا أن يجلس أحدنا عن يمينك، والآخر عن شمالك في مجدك». فقال لهما يسوع: «إنكما لا تعلمان ما تسألان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها، أو تقبلا المعمودية التي سأقبلها ؟». فقالا له: «نستطيع». فقال لهما يسوع: «إن الكأس التي أشربها سوف تشربانها، والمعمودية التي أقبلها سوف تقبلانها. وأما الجلوس عن يميني أو شمالي، فليس لي أن أمنحه، وإنما هو للذين أعد لهم». (مر 10، 38 – 39).

ما هي هذه المعمودية التي يتحدث عنها يسوع فيقول: “وعلي أن أقبل معمودية، وما أشد ضيقي حتى تتم!” (لو 12، 50)؟

يسوع يتحدث عن معمودية موت الصليب. عندما ستغمره مياه الموت، وسينهض بعد ثلاثة أيام ظافرًا بالحياة. هناك عقد يربط بين معمودية يسوع الأولى في الأردن ومعموديته الثانية في السر الفصحي المتألف من الصليب، الموت، النزول إلى الجحيم، والقيامة. هذا العقد هو سلسلة يكلّل فيه خطيبته البيعة زوجةً.

في تعليقه على عرس قانا، يقدم افرام المسيح كالعريس السماوي، المستعد لزواجه، والذي يرمز إليه العريس الأرضي في قانا. عرس المسيح في معموديته هو رمز يستبق موته الذي سيتم في الجلجلة، حيث ستولد الكنيسة من جنبه: حواء الثانية من آدم الثاني: “خرج دم وماء، أي الكنيسة، المبنية على جنب المسيح. تمامًا كما كان الحال مع آدم، فقط أُخذت عروسته من جنبه، بما أن زوجة آدم هي “جنبه”، فكذلك دم ربنا هو كنيسته. من جنب آدم جاء الموت، من جنب ربنا الحياة” (تعليق على الأناجيل الموحدة 21، 11).

الجلجلة وآلام المسيح هي اللحظة التي يغلق فيها الجرح الذي تسببت فيه الخطيئة في عدن. عدن والجلجلة يلتقيان.

“إذا صدر من حواء خبز التعب، ذاك الذي حمل اللعنة على الأرض بعد الخطيئة، هوذا مريم تأتينا بخبز القائم من الموت، الافخارستيا” (تعليق على الفطير 6، 7).

وفي تعليقه على نص أفسس 5، 21 – 33: لا يتحدث افرام عن الزواج البشري، بل عن الاتحاد بين المسيح والكنيسة: “هذا الحب الطاهر، الذي أُمر به من آدم حتى ربنا، كان رمزًا للحب الكامل الذي سيبينه الرب. لهذا تخلت الكنيسة عن أوثانها وممتلكاتها، كالأب والأم؛ والمسيح أيضًا تخلى خلى أباه في السماوات وأمه على الأرض، ومات من أجل كنيسته، لكيما بموته يستطيع أن يهب الحياة للكنيسة التي أحبها، ولكيما يستطيع أن يرفعها معه ويحملها إلى ملكوته.

هذه الأمانة الختنية التي يعيشها المسيح نحو كنيسته ليست فقط أمانة “عمومية” نحو الكنيسة الجامعة، هي أمانة نحو كل مسيحي بمفرده. فخلال حصار نصيبين، يذكر افرام الرب بغيرته وبرحمته نحو عروسته: “كن غيورًا عليّ، لأنني لك فأنا موعودة لك عروسة! لقد أعلن الرسل خطوبتي لك وقالوا لي أنك غيور” (أناشيد نصيبين 6، 12).

المسيحي في معموديته لا يقبل فقط غفران الخطايا، فهذا كان محتوى معمودية يوحنا. معمودية المسيح تذهب أبعد من ذلك، هي بدء الخطوبة مع المسيح، هي اشتراك في معمودية المسيح الأولى والثانية. يتحدث عنها القديس بولس فيقول: “أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غلا 3، 27). هناك لبس، اتحاد، قران صوفي في المعمودية المسيحية.

في المعمودية – يشرح القديس بولس لأهل كورنثوس – نعتمد بروح واحد لكي نشكل جسدًا واحدًا (راجع 1 كور 12، 13). هذا “الجسد الواحد” في الكتاب المقدس هو تعبير عن الوحدة التي لا تلغي التنوع، هي وحدة ختنية تميز لاهوت الكتاب المقدس انطلاقًا من سفر التكوين: “يترك الرجل أباه وأمه، يتحدث بامرأته، ويصبح الإثنان جسدًا واحدًا” (تك 2، 24). المعمودية المسيحية هي اشتراك في موت الرب وقيامته واتحاد حميمي به، يجمعه الله ولا يستطيع أن يفرقه الإنسان: “أوتجهلون أننا، وقد اعتمدنا جميعا في يسوع المسيح، إنما اعتمدنا في موته فدفنا معه في موته بالمعمودية لنحيا نحن أيضا حياة جديدة كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب؟ فإذا اتحدنا به فصرنا على مثاله في الموت، فسنكون على مثاله في القيامة أيضا” (روم 6، 3 – 5).

إن بولس يعي بشكل جيد كيف أن الكنيسة هي عروسة المسيح، وأن المسيحيين، كل مسيحي، هو عروسة المسيح، ويعبر عن غيره المسيح نحو عروسته: “إني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لزوج واحد، خطبة عذراء طاهرة تزف إلى المسيح” (2 كور 11، 2).

خلاصة القول، إن افرام، من خلال قراءته لحدث الصليب كحدث عرس المسيح مع الكنيسة، عرس آدم الثاني مع حواء الثانية التي تنبثق من جنبه المطعون هو تعبير أصيل عن أسمى معاني موت الصليب، الذي – بحسب ما يعلمنا قانون الإيمان هو فعل يقوم به الرب “لأجلنا”، لأجل الاتحاد بنا، قبل أن يكون عملاً “لأجل خطايانا” (بحسب تعليم الكثير من الآباء، وبحسب تقليد اللاهوتي الذي تابعت المدرسة الفرنسيسكانية ذيوله انطلاقًا من بونافنتورا ودنس سكوتس). في الصليب تكتمل حلقة عمل الله “لقد تمّ”، يقول يسوع على الصليب. الله الذي خلق البشرية ليتزوجها، يحقق نيته في خدر الصليب. ليست الخطيئة هي التي جذبت التجسد، بل الحب.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير