وقفة روحية في زمن الصوم

اليوم العاشر

بقلم الأب روبير معماري الأنطوني

روما، الخميس 25 فبراير 2010 (zenit.org). – . – حينَئِذٍ أَجَابَهُ بَعْضُ الكَتَبَةِ والفَرِّيِسِيِّينَ قَائِلين: «يَا مُعَلِّم، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَة». فَأَجَابَ وقَالَ لَهُم: «جِيْلٌ شِرِّيرٌ فَاجِرٌ يَطْلُبُ آيَة، ولَنْ يُعْطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيّ. فكَمَا كَانَ يُونَانُ في بَطْنِ الحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وثَلاثَ لَيَال، كَذلِكَ سَيَكُونُ ٱبْنُ الإِنْسَانِ في قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثَلاثَ لَيَال. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ هذَا الجِيلِ ويَدِينُونَهُ، لأَنَّهُم تَابُوا بِإِنْذَارِ يُونَان، وهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَان! مَلِكَةُ الجَنُوبِ سَتَقُومُ في الدَّيْنُونَةِ مَعَ هذَا الجِيلِ وتَدِينُهُ، لأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَان، وهَا هُنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَان!

تأمّل:

أَجَابَهُ بَعْضُ الكَتَبَةِ والفَرِّيِسِيِّينَ قَائِلين: «يَا مُعَلِّم، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَة». فَأَجَابَ وقَالَ لَهُم: «جِيْلٌ شِرِّيرٌ فَاجِرٌ يَطْلُبُ آيَة، ولَنْ يُعْطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيّ”.

ماذا نفهم من جواب يسوع للكتبة والفرّيسيين ؟ أيرفض يسوع كلَّ أنواع الآيات و العجائب ؟ أم يرفض النوع الذي نطلُبُه نحن أحياناً ؟

إنّ الإنسان هو بطبعه كائنٌ حسيّ يسعى دائما في طلب الدلائل الحسّيّة لكي يكتسب ضمانة لنفسه. على سبيل المثال: لكي نتأكدَ من محبّة الآخرين لنا ننتظر منهم تعبيراً حسيّاً، كقُبلة أو غيرها من التعابير. هذا الواقع البشري عينه لا يغيب عن علاقتنا بربّنا وفي كل ما يتعلّق بالقضايا الإيمانيّة. في كثير من الأحيان نطلب من الله دلائل حسّية عن حقيقة وجوده وعن فعاليّة حضوره كمَثَل الساخرين من يسوع عند أقدام الصليب: “إنْ كُنتَ ابن الله، فخلّص نفسك وانزل عن الصليب” (مت27: 40). فيصبح بذلك إيماننا بالله مَشروطاً وبالتالي مزيّفاً.

يريدنا الرب، في هذا الصوم المبارك، أن نتحرّر من حصريّة الاعتماد على معاينة الآيات الحسيّة في علاقتنا معه. ليست الآيات الحسيّة هي حافز وغاية إيماننا بل الرب يسوع نفسه. فهو يتجلّى في قلوبنا محبّةً وفرحاً وسلاماً دائماً. هذه كلُّها آيات عُظمى نشكر الربّ عليها في عالمٍ يسوده البغضُ والكآبة، والاضطراب.   

اليوم الحادي عشر

Share this Entry

وَلَمَّا ٱحْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِير، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَة، خَاطَبَهُم بِمَثَل: «خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفيمَا هُوَ يَزْرَع، وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَدَاسَتْهُ الأَقْدَام، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاء. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف. قالَ يَسُوعُ هذَا، وَنَادَى: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ!».» وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: «مَا تُراهُ يَعْنِي هذَا المَثَل؟». فَقَال: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرارَ مَلَكُوتِ الله. أَمَّا البَاقُونَ فَأُكلِّمُهُم باِلأَمْثَال، لِكَي يَنْظُرُوا فَلا يُبْصِرُوا، وَيَسْمَعُوا فَلا يَفْهَمُوا. وَهذَا هُوَ مَعْنَى المَثَل: أَلزَّرْعُ هُوِ كَلِمَةُ الله. والَّذِينَ عَلى جَانِبِ الطَّريقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُون، ثُمَّ يَأْتي إِبْلِيسُ فَيَنْتَزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلوبِهِم، لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا. والَّذِينَ عَلى الصَّخْرةِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَح؛ هؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون. والَّذِي وَقَعَ في الشَّوكِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ وَيَمْضُون، فَتَخْنُقُهُمُ الهُمُومُ والغِنَى وَمَلَذَّاتُ الحَيَاة، فَلا يَنْضَجُ لَهُم ثَمَر. أَمَّا الَّذِي وَقَعَ في الأَرْضِ الجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ بِقَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ فَيَحْفَظُونَها، وَيَثبُتُونَ فَيُثْمِرُون.

تأمّل:

مِن مثل الزارع نتعلّم أنَّ اللهُ هو أبٌ لا يميّز بين شخصٍ وآخر مهما كانت حالته، وبكونه الحب اللامتناهي “فهو يُطلع بشمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين”(مت5: 45). إنَّ الله يفيض نعمتَه على الجميع دون استثناء كمثلِ سقوط الزرع في مختلف أنواع التربات: على جَانِبِ الطَّرِيق، عَلى الصَّخْرَة، في وَسَطِ الشَّوْك وفي الأَرْضِ الصَّالِحَة.

مما لا شكَّ فيه هو أنَّ الله صالحٌ ومحبّ، سخيٌ ومجّاني بعطاء نعمته يريد نمو الإنسان وخلاصه، ولكن هل يتفاعل الإنسان مع غنى النعمة والمُلقاة في تُربته فيُُثمِر ثمراً كثيراً؟ كلُّ شيء يتوقّف على نوعيّة التُربة التي في داخلنا. هناك التربة الصالحة التي تستقبل النعمة وتتفاعل معها وهناك أيضاً التربة الرديئة التي تستقبل النعمة ولكن دون أن تتفاعل كثيراً. فأي تربةٍ هي تربتُكَ؟

ما هو المعيار الذي نحدد نوعيّة تربتنا؟ فالجواب بسيط وواضح وهو الإتيان بالثمر. إنْ كانت تُربتُنا صالحة ينبتُ فيها الزرعُ ويُثمِر مئة ضعف: “وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف”. وإنْ كانت تُربتنا رديئة لا يثبتُ فيها الزرعُ وييبَس: “وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ”.

لتكن قلوبنا في هذا الصيام تُربةً تخصبُ فيها كلمة الله فتُثمرَ “ثمراً يليق بالتوبة”(مت3: 8) فنكون شهوداً، في وفرة وجودة ثمارنا، للذي اختارنا وقال لنا: “أنا اخترتكم وأقمتُكم لتذهبوا وتثمروا ويدوم ثمرُكم”(يو15: 16).

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير