روما، الجمعة 27 أغسطس 2010 (zenit.org) – إذاعة الفاتيكان – أصدر المجلس البابوي للحوار بين الأديان رسالة إلى المسلمين لمناسبة نهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر بعنوان “معا مسيحيين ومسلمين من أجل التغلب على العنف بين الطوائف”. حملت الرسالة توقيع رئيس المجلس الحبري الكاردينال جان لوي توران وجاء فيها ما يلي:
أيّها الأصدقاء المسلمون الأعزاء،
إن عيد الفطر، الذي يختتم شهر رمضان، يشكّل، مرّة أخرى، مناسبة ملائمة لنهديكم تمنّياتنا القلبيّة بالهناء والمسرّة باسم المجلس البابويّ للحوار بين الأديان. لقد أخذتم على أنفسكم، طيلة هذا الشهر، أن تصلّوا، وتصوموا، وتمدّوا يد العون للأشدّ عوزًا، وتوطّدوا أواصر القربى والصداقة. هذه الجهود ستجد لها ثوابًا عند الله.
ويسرني أن أعرف بأنّ مؤمنين من أديان أخرى، ولاسيما المسيحيّة، هم على قُرب روحيّ منكم في هذه الأيّام، كما تشهد على ذلك اللقاءات الودّيّة التي تفضي في الغالب إلى مداولات ذات طبيعة دينيّة. ويطيب لي أن أعتقد أيضًا بأنّ رسالة مجلسنا هذه قد تمثّل إسهامًا إيجابيًّا في تأمّلاتكم.
إنّ الموضوع الذي اعتمده المجلس البابويّ لهذه السنة، وعنوانه “معًا، مسيحيّين ومسلمين، من أجل التغلّب على العنف بين الطوائف”، هو مع الأسف من قضايا الساعة، أقلّه في بعض مناطق العالم. ولجنة الحوار المشتركة بين المجلس البابويّ ولجنة الأزهر الدائمة لحوار الأديان السماويّة قد اصطفته، على كلّ حال، ليكون مبحث لقائها السنويّ الأخير (القاهرة، 23-24 شباط/فبراير 2010)، وأخضعته للتمحيص والتأمّل والمداولة. ليسمح لي بأن أشاطركم بعضًا من الاستنتاجات التي نشرت في ختام هذا اللقاء.
من جملة الأسباب وراء العنف المتبادل بين المؤمنين ما يلي: التلاعب بالدين لمآرب سياسيّة أو غيرها من المآرب؛ التمييز القائم على الإتنيّة أو على الهويّة الدينيّة؛ الانقسامات والتوتّرات الاجتماعيّة. أضف إلى ذلك الجهل، والفقر، والتخلّف، والظلم، التي تشكلّ بدورها مصادر مباشرة أو غير مباشرة لقيام العنف بين الجماعات الدينيّة، بل وحتّى داخل هذه الجماعات. أَلا فلتُؤَدّ السلطات المدنيّة والدينيّة إسهامها في سبيل إصلاح أوضاع كثيرة، متوخّيةً الخير العامّ للمجتمع بأسره! ألا فلتُرْسِ السلطات المدنيّة أحقّيّة حكم القانون من خلال توفير عدالة حقيقيّة توقف المحرِّضين على العنف ومؤجِّجيه عند حدّهم!
ويحتوي النص أيضًا على توصيات هامّة: تشريع القلوب على الصفح المتبادل والمصالحة كي نعيش معًا حياة مسالمة ومثمرة؛ الإقرار بما يجمعنا واحترام ما يفرّقنا كأساس لقيام ثقافة للحوار؛ الاعتراف بكرامة كلّ إنسان وحقوقه، واحترامهما، دون أيّ تمييز بسبب الإتنية أو الانتماء الدينيّ؛ ضرورة إصدار قوانين عادلة تضمن المساواة الأساسيّة بين الجميع؛ أهمّيّة التربية على احترام الآخر، ومحاورته، ومؤاخاته، وذلك في شتّى الحيّزات التربويّة: البيت، المدرسة، الكنائس، المساجد. بذلك نتوصّل إلى معاكسة العنف بين الطوائف، وإلى تعزيز السلام والانسجام بين مختلف الجماعات الدينيّة. إنّ ما يعلّمه الرؤساء الدينيّون، إضافة إلى المصنّفات المدرسيّة التي تحرص على عرض الأديان بطريقة موضوعيّة، يرتديان أهميّة حاسمة لا تقلّ عن أهمّيّة التعليم العامّ في تربية الأجيال الشابّة وتنشئتها.
أرجو أن تستطيع هذه الاعتبارات، كما ردود الفعل التي ستحدثها بينكم وبين أصدقائكم المسيحيّين، أن تساهم في مواصلة حوار يزداد احترامًا وصفاء على الدوام، حوار أستمطر لأجله بركات الله!