الكنيسة: الحشا الذي يولد منه المسيح من جديد

خواطر كنسية (8)

Share this Entry

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان،  الأربعاء 15 سبتمبر 2010 (Zenit.org). – إن عدم استطاعة الإنسان الحصول على وديعة الإيمان بمفرده لا تعود إلى صعوبة الإيمان بل إلى طبيعته. فمن ناحية المعرفة، يستطيع كل شخص أن يحصل على معلومات حول المسيحية، حول تاريخها وتقاليدها وعقائدها. يمكن لأي كان أن يتعرف على المسيحية من خلال الوسائل المعتمدة لدراسة سائر الظواهر الدينية، ولكن هذا ليس اللاهوت. وهذه المعرفة لا تعني أن المرء قد توصل إلى إدراك كنه المسيحية وجوهرها. استحالة الولوج إلى دارة الإيمان الحميمة لا تنبع من الصعوبة النظرية لمكنون الإيمان بل من الطبيعة الحميمية لدينامية الإيمان.

لا بد، في هذا المجال، من أن تعيد الممارسة الكنسية اكتشاف المعنى العميق للأبوة الروحية، التي هي أمر أكبر بكثير وأعمق بكثير من مجرد “إرشاد روحي” أو “توجيه روحي-نفساني”. الأبوة الروحية تتجاوب مع طبيعة الدخول في خدر الإيمان. كل منا هو مؤمن لأنه وُلد روحيًا بشكل أو بآخر. كثيرون منا لا يعرفون آباءهم الروحيين أو لا يستطيعون أن يتعرفوا إليهم، ولكن كل منا  وُلد إلى الحياة المسيحية بفضل تعليم أب ما أو أم ما، وبفضل صلاة شخص – ربما راهبة محصنة لم يرها أبدًا – ولدته إلى حياة الإيمان بعد محنة لا يعرف كيف خرج منها حيًا، وكيف نال بعدها الإيمان أقوى بدل أن يفقده. الوصول إلى الإيمان يتم من خلال ولادة جديدة لها الكثير من خصائص الولادة الطبيعية، ورسائل القديس بولس تعكس بشكل واضح هذا المفهوم. فبولس كان يدرك أنه لم يكن مجرد بائع تعاليم مسيحية، بل هو أب ويكفينا أن ننظر إلى بعض رسائله لنر هذا الطابع الأبوي في مقاربته للتبشير (لقد تطرقنا إلى هذا الموضوع في مقالة سابقة عن اللاهوت، القداسة والأبوة الروحية وقدمنا ملخصًا عن مفهوم الأبوة الروحية في بولس).

كما وأدرك آباء الكنيسة العظام هذا الأمر، فرأى الكثيرون منهم في الكنيسة “حشًا يتابع في المؤمنين ولادة يسوع المسيح، ولادة اللوغوس الأزلية من الآب، وولادته الزمنية من العذراء. الكنيسة أم-عذراء، وهي، من خلال نعمة المعمودية تولد المسيح في الإنسان والإنسان في المسيح. يقول القديس ميثوديوس من فيليبي: “إن الماخض التي تولد اللوغوس في قلب المؤمنين هي أمنا، الكنيسة”. إذ يولد المؤمنون من حشاها الكنيسة لا يضحون مجرد “أتباع” ليسوع المسيح، بل يضحون بدورهم “حاملي المسيح” (Cristophoroi) و “أمهات المسيح” (theotókoi). لهذا كان القديس اغناطيوس الأنطاكي يلقّب بحامل المسيح. وقد أدرك هذا الأمر الفيلسوف المسيحي موريس بلوندل عندما كتب: “يجب علينا جميعًا أن نعيش المخاض، أن نلد الله في وجودنا، أن نكون أمهات لله”.

القديس هيبوليتوس الروماني يقول بوضوح: “إن الله-الكلمة يتجسد من القديسين: إذ بينما يلد الكلمة القديسين، يولد هو بدوره من القديسين”.

تعليم “ولادة الله” هذا يمد جذوره في تراث المسيحية الأولى، وبالتحديد في تعاليم الإعداد المسيحي الأول. من خلال الولادة الجديدة في المعمودية، ينال المؤمن البذر الإلهي الذي يحوله على مثال الله ويعيد ترميم الطبيعة التي دمرتها الخطيئة، مؤلهًا إياها كصورة لصورة الله الحقة، الكلمة المتجسد. في حديثه عن المعمودية يقول القديس أكليمنضوس الإسكندري: “إن الإنسان الذي يتعايش معه اللوغوس [أي المعمّد] هو يحمل صورة اللوغوس، يضحي جميلاً لأنه يضحي مشابهًا لله. نعم، يضحي الله، لأن الله يريد ذلك: يا له من سر جلي: الله في الإنسان، والإنسان ‘إله‘”.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير