بقلم روبير شعيب

الفاتيكان،  21 سبتمبر 2010 (Zenit.org). – إن عقيدة التأليه (Théosis) التي يعلمها آباء الكنيسة، وخصوصًا آباء الكنيسة الشرقية، لا تنفصل عن سر التجسد، تجسد الكلمة. بل ما يميّز عقيدة التأليه المسيحية هو أنها لا تشكل انقطاعًا في مسيرة الكائن البشري بل تكميلاً لها. التأليه هو قبول الإنسان لألوهة الله-الكلمة في حياته، جسده وتاريخه. وهكذا، بالنسبة لإيرناوس، قمة التجسد هي أن نفسح للكلمة مجالاً في وجودنا (1) . ولكن هذا التعليم لا يتألف من سعي تقشفي خاص، بل هو هبة يترتب على الإنسان أن يتقبلها. يولد اللوغوس في قلب المؤمنين بفضل مخاض الكنيسة العروس والأم التي يصفها القديس هيبوليتوس معلقًا على نص الرؤيا في الفصل 12 هكذا: "بالرغم من أنها، في وجودها في هذا العالم، تعيش مُضطهدة من قبل غير المؤمنين، إلا أن الكنيسة لم تنفك تلد الكلمة في قلبها. الكنيسة تلد، كما يقول الكتاب، ابنًا ذكرًا يحق له أن يسود على الشعوب، هو المسيح الرجل الكامل، ابن الله، الإله الإنسان... والكنيسة، إذ تلد المسيح باستمرار تقوم بتعليم كل الشعوب" (2). ولذا نفهم أن الكنيسة تعلّم ليس فقط عندما تتكلم، بل خاصة عندما تلد، وإذ تلد لا تهب نسمة حياة مائتة، بل كلمة الحياة وروح الآب المحيي. بالواقع، يصرح هيبوليتوس في كتاب آخر: "لقد خرج من فم الآب لوغوس (كلمة) طاهر، ولوغوس أخر يولد من القديسين: إذ يلد القديسين باستمرار، اللوغوس الإلهي يولد بدوره من القديسين" (3).

نجد تعليمًا مماثلاً عند المعلم الكبير الإسكندري، عبقري المسيحية الأولى، أوريجانوس. ففي كتاباته نلاقي تعليمًا عميقًا عما يمكننا أن نسميه "حشا القلب" (uterus cordis). إذ يتحدث أوريجانوس عن الارتداد الضروري لنعمة المعمودية، لا يتحدث عنها بتعابير أخلاقية، بل يستعمل اللغة الصوفية. مبدأ الحياة الإلهية في المسيحية لا يقوم على مطابقة أخلاقية فقط (فهذه هي واقع مشترك مع معظم الديانات العالمية)؛ الخاصية المسيحية هي تحول النفس إلى صورة اللوغوس المقيم فيها، والذي يشكل مبدأ الحياة الإلهية في التاريخ وفي الحياة الأبدية. يتساءل أوريجانوس في هذا الصدد: "ماذا ينفعني إذا ولد المسيح من العذراء مريم ولم يولد في أحشائي؟"  (4). حمل المسيح في قلبنا وتنميته، إذا جاز التعبير، من خلال العيش الأخلاقي، هو مشابه لواقع الحَبَل (الحَمْل)، ويعيش مختلف إيقاعات هذه الخبرة، ولذا يحذر أوريجانوس بالقول: "إذا لم ينمَ اللوغوس فيك، ستكون مذنبًا بالإجهاض" (5).

الكثير من الآباء يرددون تعليمًا مماثلاً، والشهادة الأكثر سلطة نجدها عند الآباء الكابادوكيين. يعلم غريغوريوس النزينزي على سبيل المثال أن كل نفس هي في حميميتها أم للمسيح إذا ما عاشت حياة قديسة.

ونجد تعابيرًا مماثلة في يوحنا فم الذهب المنحول: "كل نفس تجمل في ذاتها المسيح كما في حشًا أمومي... وكل مرة تقبل في ذاتك كلمة المسيح وتعطيها شكلاً فيك في تفكيرك، يمكنك أن تُدعى بحق أم المسيح. بهذا الشكل تدرك أن المسيح يتكوّن في كل منا" (6).

تعاليم الآباء التي قدمناها بشكل مختصر هنا تشهد لثبات تعليمهم بشأن اللوغوس وولادته في قلب المؤمن وفي قلب الكنيسة وتجعل من المؤمن ومن الكنيسة أم المسيح وعروسته. ولذا لا عجب أن ديونيسيوس الأريوباجي المحول يصف المعمودية بـ "ولادة الله" (theogenesia): في المعمودية يولد الإنسان على حياة الله ويولد الله في حياة الإنسان (7).

(1) Ireneo di Leone, Adversus Haereses 3,19,1.

(2)  Ippolito Romano, De AntiChristo 61.

(3) Ippolito Romano, In Daniel 1,10,8.

(4) Origene, In Jeremiam Homiliae 9,1.

(5)  Cf. Origene, In Matthaeum Commentarii 43.

(6)  Cf. Pseudo-Crisostomo, De caeco et Zachaeo 4.

(7)  Cf. Pseudo-Dionigi Areopagita, De ecclesiastica hierarchia 2,2,7..