بقلم الأب سميح رعد
بروكسيل، الجمعة 11 مارس 2011 (Zenit.org). – "فَلَمّا رَأى يَسوعُ نَثَنائيلَ مُقبِلاً إِلَيهِ قالَ عَنهُ هٰذا بِٱلحَقيقَةِ إِسرائيلِيٌّ لا غِشَّ فيهِ" (يو 1، 47).
في هذا الأحد الأوَّل من زمن الصيام الكبير، تضع الكنيسة ذكرى الأيقونات أو انتصار الارثوذكسيَّة والتعليم القويم على كل ضلالة، إي الإيمان الذي لا غِشَّ فيه. وقد تأسَّس هذا العيد سنة 842 بعد تثبيت عقائد المجمع المسكونيّ السابع الذي عقد في نيقية سنة 7
لنتأملنَّ سويًّا اليوم في هذا الأحد المبارك بكلمات البشير يوحنا: "لا غِشَّ فيهِ".
في العهد القديم، تسأل الله على لسان النبي إرميا، هل يوجد بعد بين المؤمنين شخص لا غش فيه، لكي تُنْقَذ المدينة المقدسة، بسبب برارته وإيمانه؟ قال: "طُوفُوا فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ وَانْظُرُوا وَاعْرِفُوا وَفَتِّشُوا فِي سَاحَاتِهَا. هَلْ تَجِدُونَ إِنْسَاناً أَوْ يُوجَدُ عَامِلٌ بِالْعَدْلِ طَالِبُ الْحَقِّ فَأَصْفَحَ عَنْهَا؟" (إرميا 5، 1). والنبي حزقيال نقل هو أيضًا عن الله: أين هو هذا الرجل الصالح المميَّز لكي يقف بينه وبين شعبه لكي لا يخرّب المدينة؟ قال: "وَطَلَبْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ رَجُلاً يَبْنِي جِدَاراً وَيَقِفُ فِي الثَّغْرِ أَمَامِي عَنِ الأَرْضِ لِكَيْلاَ أَخْرِبَهَا، فَلَمْ أَجِدْ!" (حزقيال 22، 30). نعم، إلى هذا الحد يندر وجود الرجل الذي لا غِشَّ فيه في عيني الله!
أسمح لنفسي أن أروي هنا قصة قصيرة من التاريخ الفلسفيّ اليونانيّ، عن فيلسوف اسمه ديوجين وهو معاصر للإسكندر الكبير ذو القرنين. تقول الحكاية إنَّ ديوجين سار في رابعة النهار، في شوارع أثينا، يحمل قنديلاً مضاءً. فقال الناس: هذا الرجل قد أصابه الجنون. عندما سُئِل عمَّا تبحث، أجاب إجابته الخالدة: "أَبْحَثُ عن رجلٍ!"... من الغريب أنَّ ديوجين لم يَرَ في أثينا رجلاً في زمانه! علمًا أنَّ الإسكندرَ الكبير نفسه، صاح ذات يوم: "لو لم أكن الإسكندر، لوددت أن أكون ديوجين!" ولكن ديوجين عندما سمع عن الإسكندر قوله هذا، صاح على الفور: "لو لم أكن ديوجين لوددت أن أكون أيَّ إنسان على الأرض إلاَّ الاسكندر!"كل أثينا، وكل العالم يرى في الإسكندر نموذج الرجولة والشجاعة والإنسانيَّة. وديوجين رأى في الإسكندر أنَّه لا يملك قطرة من رجل.
هكذا، في كلّ زمان وفي كلّ مكان يفتِّش الناس عن الرجل الذي لا غِشَّ فيه...
طوبى لنثنائيل لأنّ الرّبّ وجده أصفى رجل في بني صهيون. رجل لا غِشَّ فيه. احتفظ هذا النثانئيل بأمانته وإيمانه وكان يسلك بالبر والتقوى.
وفي رسالة اليوم يقدِّم لنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين بعض المناحي من "الرجل الذي الذي لا غِشَّ فيه."
الرجل الذي لا غِشَّ فيه هو الرجل الذي يعيش بالإيمان ويعمل البر على مثال موسى، يقبل بالمشقة على التمتع الوقتي بالخطيئة، وأكبر الخطايا هي العبادة الباطلة (عب 11، 25 – 26).
الرجل الذي لا غِشَّ فيه هو من يعتبر عار المسيح أعظم من كنوز مصر كلها. ومن يدري ما كانت كنوز مصر؟!(عب 11، 26).
الرجل الذي لا غِشَّ فيه هو من لا يخاف أنياب الأسود ولا النار ولا السيف. (عب 11، 33 و 34).
الرجل الذي لا غِشَّ فيه هو من "يتقوى من ضعف". (عب 11، 34).
الرجل الذي لا غِشَّ فيه هو الذي يقبل المهانة والسياط وأحيانًا السجن أو الموت بأقسى أنواع العذابات... يختصر كاتب الرسالة إلى العبرانيين كل ذلك بقوله عنهم: "كان العالم غير مستحق لهم؟" (عب 11، 38)، والله يعد لهم مواعيد أفضل (عب 11، 35).
هذا هو معنى هذا الأحد الأول من الصيام الكبير: "أحد الأرثوذكسيَّة". الكنيسة تدعونا وسط هذا العالم، رغم كل المحن التي نتعرّض لها، أن نكون أشخاصًا محافظين على إيماننا الحقيقيّ الصحيح، سالكين بالبر والتقوى، فنكون رجالاً ونساء لا غِشَّ فينا في عيني الرّبّ. مدعوون إلى قبول ضعفنا وحالنا. وأن نكون شجعانًا في المصالحة والمسامحة مع أنفسنا أولاً ومع الآخرين ومع الله. وهكذا نكون أشخاصًا لا غِشَّ فيهم على مثال نثنائيل. آمين.