سيدني، الثلاثاء 15 مارس 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي رسالة الصوم 2011 للمطران عصام يوحنا درويش، راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية في استراليا ونيوزيلندا.
* * *
المطران عصام يوحنا درويش
بنعمة الله
راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزيلندا
إلى الكهنة والشمامسة والمؤمنين والمؤمنات
سلام الله معكم
رسالة الصوم في 7/3/2011
ليكن قراركم في هذا الصوم العودة إلى الله
“أنظر! إني قد جعلت اليوم أمامك الحياة والخير” (تثنية الاشتراع:30/15-20)
يدعونا الله من خلال هذه الكلمات أن نختار الحياة والخير. هذه الكلمات التي جاءت في سفر تثنية الاشتراع كتبت لعصرنا، فكثيرون هم الذين لا يعرفون أن يختاروا ما هو صالح لهم وما هو مفيد لحياتهم. أن نختار الخير يعني أن نسير في طريق التوبة والمحبة والانفتاح والتفاهم، والكتاب المقدس يضع حب الله في أولويات خياراتنا.
إن حب الله يعطي الإنسان الرجاء والسعادة والحياة الوافرة: “جئت لأعطيكم الحياة وأعطيها بوفرة” إنه يقدمها مجانا لكل الذين يؤمنون به. فابراهيم لبى دعوة الله بطاعة تامة دون أن يسأل عن المستقبل فجعل الله منه نجيّه وقطع معه عهدا بأن يكثر ذريته، فصار كل الذين يقتدون بإيمانه ذريته الروحية، وبدون شك محبة الله لنا ومحبتنا له توصلنا دوما إلى الآخرين وبها نجد سعادتنا.
في بداية هذا الصوم هلاّ سألت ذاتي إذا كنت أحب الله فعلا ! هل أنا مقتنع بأن حب الله هو أساس الحياة ومبدأ كل خير !.
نجد في الكتاب المقدس كلمات كثيرة تلمس قلبنا وتحرقه كالجمرة كما جاء في سفر اشعيا (58/1-9) “هل لصومكم فائدة ما دمتم تعاملون بقسوة أخوتكم؟ أهكذا يكون الصوم عندما نسعى وراء الخصومة والمشاجرة؟ أليس الصوم هو حلُّ قيود الشر وفكُّ رُبُطِ النير”. لقد أكمل يسوع المسيح ما جاء على لسان النبي في إنجيل متى عندما قال: “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم: لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبا فكسوتموني، ومريضا فعدتموني، وسجينا فجئتم إليّ” (متى 25/35).
جاء في الإنجيل المقدس إن يسوع ذهب إلى الصحراء وصام أربعين يوما وأربعين ليلة (متى4). للصحراء في الكتاب المقدس بعدان، إنها المساحة الواسعة وفيها رمال وصخور، لكنها أيضا مرحلة مهمة من مراحل حياتنا حيث يبدو كل شيء حولنا قاحل وفارغ. والجهد الذي نبذله في أن نجد الطريق خارج هذه الصحراء، يذهب عبثا. هذا ما يسميه الآباء بالنشاف الروحي.
ذهب يسوع إلى الصحراء ليعلمنا أننا، رغم وحدتنا وضياعنا فيها، نشعر هناك بعطش الاقتراب من الله، وفيها نلتقيه فيشدنا إليه ويهدئ قلبنا القلق المضطرب. لكن لماذا يسمح أن ندخل في التجربة؟ لأننا في الصحراء نكون وحدنا، وخيارنا الوحيد هو أن نكون مع الله، إنه يدعونا لنحبه كما يحبنا، والشيطان يحاول باستمرار أن يبعدنا عن تلبية هذه الدعوة. فمن جحيم الصحراء يأتي الخلاص السماوي لأننا عندما نقف بخشوع وتواضع أمام ذاتنا، نصير قادرين على التقاط بهاء الله وعظمته. يقول يسوع المخلص: “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” (متى 4/17). فبالتوبة تعود لنا الحياة وتتجدد كرامتنا الضائعة وتنهدم الخطيئة التي تمنعنا وتحجب عنا رؤية النور الإلهي، بالتوبة ننتصر على عثراتنا ونتحرر من خطيئتنا ونقترب من المسيح.
“كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي هو رحيم” (لوقا 6/36-38) كلمات مدهشة قالها يسوع لمحدثيه. لماذا يدعونا لنكون رحماء مثله؟ لأنه يريدنا أن نكون أبناء الله. فعلاقة القربى تُلزمنا بمشاركة الآب السماوي كل صفاته. لنا في الكتاب المقدس أمثلة كثيرة عن رحمة الله غير المحدودة، كمثل الابن الشاطر، الذي يتيح لنا فهم المعاني الحقيقية لرحمة الله، ورغم بساطة المثل فإنه يكشف لنا من خلال صورة والد الابن الشاطر، أبوة الآب السماوي، كما أن مواقفه هي صورة واضحة عن قبول الله لنا وانتظاره في أن نعود إليه بعد أن غادرنا نعمته وميراثه ومزقنا عهد الحب معه. نعود إليه كما عاد الابن إلى أبيه، بعد أن بذّر ثروته واختبر حياة البؤس والخطيئة. “سأقوم وأمضي إلى أبي فأقول له: يا أبت إني خطئت إلى السماء وإليك، ولست أهلا بعد لأن أدعى لك ابنا، فاجعلني كبعض أجرائك” (لوقا 15/17).
تطلب الكنيسة منا في بداية هذا الصوم، أن نأخذ قرار العودة إلى الله والتوبة إليه بوعي وإيمان، لأننا بحاجة إلى أن نُعيد باستمرار الكرامة المسلوبة منا، كرامة العلاقة بين الأب والابن، كرامة المحبة التي دُعينا إليها والتي ما إن نعيشها تتحول فينا إلى رحمة وحنان.
أشجعكم على الصوم وعلى التمسك بالقطاعة لأنكم ستجدون فيها شفاء لجروحاتكم، وقوة تزيل منكم كل ضعف وخطيئة، وتوقا لتكونوا أكثر قداسة، فالصوم هو طريقنا إلى العرش الإلهي. وأدعوكم أيها الأحباء أن تأخذوا العذراء مريم مثالا لكم لأنها مازالت تساهم في ولادتكم في رحم الكنيسة ولتصلوا لها بحرارة خلال زمن الصوم لترافقكم كما رافقت يسوع المسيح في حياته على الأرض.
المطران عصام درويش
راعي الأبرشية