دوندالك، إيرلندا، الاثنين 21 مارس 2011 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي القسم الأول من الكلمة التي ألقاها رئيس أساقفة أربيل بشار وردة، وذلك نهار الأربعاء في مركز أرماغ الرعوي الأبرشي في دوندالك، خلال تقديم تقرير عون الكنيسة المتألمة لسنة 2011 حول المسيحيين المضطهدين بسبب إيمانهم.
***
لكل أمر أوان
أمسي بالخير على الكاردينال برادي والأسقف كليفورد والسادة والسيدات والإخوة رجال الدين. أشكركم على شرف الاحتفال اليوم بإطلاق نسخة 2011 لتقرير عون الكنيسة المتألمة المتمحور حول المسيحيين المضطهدين بسبب إيمانهم، والمعنون “مضطهدون ومنسيون”.
هذا التقرير وعمل عون الكنيسة المتألمة حاسمان بالنسبة إلينا نحن أعضاء الجماعة المسيحية في العالم أجمع. هذه المعلومات ستسهم بشكل ملحوظ في بناء دعم وتضامن دوليين للمسيحيين حول العالم حيث سلبت حقوقنا الإنسانية في الحرية الدينية.
وكما يورد التقرير، فإن وضع المسيحيين في العديد من البلدان كالعراق مثلاً يبدو أنه يسوء، وأحياناً لدرجة أننا نتساءل إن كنا سنبقى على قيد الحياة كشعب في بلادنا.
ولكن، هذا ليس وقتاً نخفي فيه إيماننا أو هويتنا بسبب صراعات مماثلة. ففي العراق، أدت أربعون سنة من الحرب والاضطهاد إلى تعزيز ثباتنا وعزمنا على الصمود والمطالبة بحقنا الشرعي والتاريخي ككنيسة وكشعب في العراق. ولم نتوصل إلى الاستسلام.
من خلال الدعم والتضامن الدوليين اللذين سيحدثهما هذا التقرير، أعتقد أنه يمكننا أن نكون أقوى في وحدتنا وأكثر استراتيجية في بحثنا عن حلول مستدامة.
ما نعاني منه نحن العراقيون هو أزمة في التبدل الثقافي. إننا نعيش في منطقة لا تستطيع أن تقرر إذا ما كانت تؤيد الديمقراطية أو الشريعة الإسلامية. لا تستطيع أن تقرر إن كانت تؤيد حقوق البشر في العيش بحرية بكل أشكاله المثيرة والمليئة بالتحديات، أو إن كانت تؤيد التحكم بنفوس وأذهان شعبها.
هذا هو نوع التحكم الذي يرحب بالأساليب الإرهابية القائمة على ترهيب الأقليات الدينية واختطافها وقتلها.
بات الشرق الأوسط حالياً هلالاً خصيباً للإرهاب والهيمنة؛ منطقة قائمة على بيئة ثقافية واجتماعية اعتمدت على العنف لكي تبقى مجتمعاتها مقسّمة. وفيها يستخدم التاريخ والذهنية القبلية للحفاظ على ذلك الإرهاب وتلك الانقسامات. كما يشار إلى الحروب الصليبية والغرب العدائي وإسرائيل والمسيحيين الأميريكيين كالأعداء، في حين أن العدو هو في الداخل.
ما ترك للعراقيين هو نظام ضعيف يحاول إرضاء سيدين: من جهة فرضية حقوق الإنسان التي من المفترض أن تكون لجميع مواطنيه، ومن جهة أخرى الشريعة الإسلامية من أجل أكثريته المسلمة. والإسلاميون ليسوا وحدهم المسؤولين.
فالعلمانيون المتأملون بتحقيق مكاسب معينة هم أيضاً مسؤولون.
والحكومات المجاورة في المنطقة التي تزود المتمردين بالمال والأسلحة لزعزعة استقرار الحكومة هي أيضاً مسؤولة.
أما حكومات العالم الباقية فقد أشاحت النظر عنا، كما لو أن انتهاكات حقوق الإنسان وظروف شبه الإبادة الجماعية التي يختبرها المسيحيون العراقيون هي مؤقتة.
علاوة على ذلك، ولحوالي خمسين سنة، عانى المسيحيون من النزوح والإهمال. وهذا هو الوضع الذي عاشته القرى المسيحية الـ 233 في شمال العراق سنة 1961. فقد دمرت العشرات منها في الخمسينيات والستينيات عندما كان العراق يتطور من مملكة إلى جمهورية، واستمر هذا النزوح في سنوات حكم صدام حسين.
إضافة إلى ذلك، فإن التاريخ المسيحي غائب بشكل لافت عن كتب التاريخ العراقي المستخدمة في مدارسنا الرسمية. ومكاننا كأحد السكان الأصليين في المنطقة أزيل من الذاكرة الجماعية. نحن مجرد أفراد غير مسلمين، سكان من الأقلية في العراق، مفتقرين إلى كل الحقوق والمكافآت التي يجب أن تمنحنا إياها المواطنة التامة في الديمقراطية الحقيقية.
خلال سنوات حرب الخليج، كان يقدر عدد السكان المسيحيين في العراق بين 1.2 و1.4 مليون. مع حلول سنة 2003، انخفض العدد بأكثر من نصف مليون. وحالياً، يبلغ عدد السكان المسيحيين في العراق أقل من 500000. وهذا العدد متفائل جداً.
يعيش المسيحيون العراقيون بشكل رئيسي في بغداد، البصرة، كركوك، أربيل والموصل، وفي بلدات صغيرة في سهل نينوى في الشمال. ينتمي حوالي ثلثي المسيحيين العراقيين إلى الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية، وينتمي الخمس تقريباً إلى كنيسة الشرق الأشورية. كما ينتمي الباقون إلى الكنيسة الأرثوذكسية السريانية والكنيسة الكاثوليكية السريانية والطوائف البروتستانتية المتنوعة.
وكما ترون في هاتين الخريطتين، تقع التجمعات الرئيسية للسكان المسيحيين العراقيين على طول حدود متنازع عليها بين العراق وكردستان وفي مناطق تتسم بوجود الميليشيات المتطرفة.
والمسيحيون يتعرضون للاضطهاد من قبل الأكثرية السكانية لسببين:
1)إيمانهم المسيحي غير المقبول في العراق من قبل الأصوليين
2) ولغايات سياسية للتحكم بالأرض وبتوزيع الموارد في المناطق المتنازع عليها.
العنف ضد المسيحيين وسط الاضطراب السياسي
منذ احتلال العراق سنة 2003، قتل أكثر من 500 مسيحي في صراعات دينية وذات دوافع سياسية. وحصلت نسبة 40% من أعمال القتل في شمال العراق، و58% في بغداد، و2% في الجنوب.
بدأت أعمال قتل المسيحيين جدياً سنة 2003 عندما قتل أول مترجم في بغداد. وسنة 2006، تصاعدت عمليات القتل التي تستهدف زعماء مسيحيين عندما اختطف كاهن مسيحي
أرثوذكسي اسمه بولس اسكندر، وقطع رأسه وأوصاله على الرغم من دفع الفدية.
وبين عامي 2006 و2010، اختطف 17 كاهناً عراقياً وأسقفان عراقيان في بغداد والموصل وكركوك. اعتقل العديد منهم لأيام، والبعض منهم لأسابيع. وتعرضوا كلهم للضرب أو التعذيب على يد خاطفيهم. فك أسر معظمهم، لكن أسقفاً واحداً وأربعة كهنة وثلاثة شمامسة مساعدين تعرضوا للقتل. وفي معظم الحالات، أعلن المسؤولون عن الجرائم أنهم يريدون إخراج المسيحيين من العراق.