رؤيـــــة مـــواطــــن

Share this Entry

للمطران يوحنـا ابراهيـم ، ئيس طائفة السريان الأرثوذكس في حلب

روما، الأربعاء 23 مارس 2011 (Zenit.org) – في حياة الشعوب محطات تاريخية، يصنعها العظماء، فيسطرون أروع الصفحات خلوداً في ذاكرة الأجيال، تلك المواقف والأعمال التي يصوغها رجالات الأمة في أحلك الظروف وأصعب الأوقات، هذا يعني سلامة الخيار والموقف الذي يضمن سلامة الوطن داخلياً وخارجياً، أمناً واستقراراً وازدهاراً. لقد علّمتنا الأيام أن خيار الشعوب هو الأسلم.

فمن اختاره أفلح، ومن جافاه خاب، فخيار الشعب هو وحدة الوطن في واقعه ومستقبله، متحصناً بقراراته التي تمثل خير

جميع أبنائه، وتنشر المحبة والسلام في كل أرجائه، وبين كل مواطنيه، تلك هي البنية الفكرية التي تغوص في ضمير الأمة، فتستلهمه شعاراً، تستنير به في درب صعودها نحو وطن آمن ومستقر ومزدهر.

 نحن في سورية الحبيبة، نعيش لحمة وطنية غالية بين المسلمين والمسيحيين على صعيد الفرد والجماعة، ورؤية واحدة على صعيد الأرض والوطن، وإذا كانت تلك مسلماتنا وأمنياتنا التي لا نختلف عليها البتة، فلا بد أننا مفلحون.

قدر الشعوب أن تصوغ مستقبلها وتُطوِّره حسب ما بلغة ثقافتها من قيم، تبني عليها عيشها الكريم، ومستقبل أبنائها، في ضوء كل ذلك فإننا أحوج ما نكون في هذه الأيام إلى رؤية وطنية، تلخص طموحات الأمة، وتحقق مطالبها في الإصلاح الشامل، بمعناه الواسع فكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، بمناخ من الحريات العامة، التي تضمن وصولنا إلى حقيقة خيار شعوبنا لمستقبلها على كل الصعد، فلنسعى بلغة المحبة إلى ولوج هذا الطريق الآمن لنا جميعاً، فلا لغة العنف والتحدي، ولا أعمال التخريب والهدم، ولا التناحر والعداء، سبل الوصول إلى الغايات، وإنما الحيلولة دونها بإدراك مطالبها، والعمل لها معاً هي الأسلم سلوكاً، والأرفع غاية، والأمضى سلاحاً، فإلى هذا الطريق نتجه وإلى هذا السلوك نطمح، سائلين الله أن نكون عوناً لسواء الخيار والسبيل.

لقد تعلّمنا من تجارب التاريخ أن الانفتاح على الآخر مطلبٌ عام، وحوار الحياة والعمل هو أساس التقدم والنجاح, وخدمة الوطن

كأولوية في القائمة المطروحة على الساحة، لأن الوطن هو بمثابة الأم التي تلد بنيناً وبنات, وتعطيهم سمة المواطنة. فالمواطن الصالح لا يمكن أن يخرج منه إلا الصالحات، أما المواطن السيئ فلا يعطي إلا السيئات، ولكن من منّا يريد أن يرى بأمّ عينه هذا الوطن الغالي يتزعزع من الداخل, ويصبح طعمة لمخططات تسعى لتدمير البلد من الخارج.

إننا نمرّ في مرحلة صعبة من تاريخنا المعاصر، ونشعر بأن أياد خفية لها نيّات سيئة ومخططات مدمّرة، تسعى لزعزعة ثقة

المواطن بالوطن، ولفك الارتباط بين أبناء الوطن الواحد، وفرز المواطنين بين مؤيد ومعارض من جهة، وبين صالح وخائن من جهة أخرى. لهذا فالوعي في هذه الفترة الحرجة هو اساس لإخراجنا من الأزمة التي نمرّ بها، وكلما زاد هذا الوعي كلما تراجعت مخططات المخرّبين في هذا الوطن، من الداخل والخارج. وزيادة الوعي تعني الحكمة في الرؤية، لأن الوطن لا يتحمّل هزّة تقضي على أحلام أبنائه، ورؤيتهم في أن يكون وطنهم متماسكاً، قوياً، معطاءً، معززاً، مكرماً، مستقلاً، يأخذ قراراته من أجل الخير العام، ونشر المحبة والسلام، في كلّ ربوعه، وتوطيد أركان الاطمئنان والأمن بين كل شرائح وتيارات هذا الوطن.

إننا كمواطنين سوريين مسلمين ومسيحيين،  نناشد كل أصحاب الضمائر الحية والإرادة الطيبة، في وطننا العزيز في أن نظهر للعالم بأننا متماسكون، وملتزمون بخدمة الوطن، ونرفض كل أشكال العنف، والقمع، والإرهاب، والقتل، والتخريب، والتدمير، الذي يبدو للبعض أنه طريق للخلاص من أزمات نعيشها. فالعبرة هي بإصلاح الوطن، وليس بإسقاطه، وهذا لا يتم إلا بالالتفاف حول بعضنا من أجل خدمة الوطن والمواطن، والحث على تجاوز أخطاء الماضي، من خلال الرؤية الصائبة التي أشير إليها، لبناء الوطن خالياً من الشوائب والتجاوزات.

لقد تعلمّنا من خلال الحوار المسيحي الإسلامي، أن حوار الحياة والعمل، عنصر مهم لتوطيد أركان العيش المشترك، والإخاء

الديني في الوطن الواحد. فكل مواطن صالح يتطلع إلى أن يرى وطنه معززا بالرفاه والسعادة والفرح، لا يقوى إلا على تقديم يد العون من أجل خدمة المواطن، وتعزيز شأنه في كل المجالات، هذه رؤية كل مواطن صالح.

لهذا نهيب بالمواطنين السوريين الخيّرين والصالحين والمخلصين، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها هذا الوطن الكبير، أن نبقى يقظين ساهرين على أن نبعد كل مكروه عنه، وأن نجعله في مأمن من أعمال الشر والتخريب، ونبعد كل شائبة أو فكر سيء، إذا ما أصاب الوطن يصيب كل أبنائه، فلنعمل في رؤية فكر الجميع ومصالحه، فهي محصله مصلحة الوطن لجميع أبنائه

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير