كندا، الاثنين 28 مارس 2011 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي رسالة المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، مطران كندا للروم الملكيين الكاثوليك، لمناسبة زمن الصوم 2011
المطران ابراهيم مخايل ابراهيم
بنعمة الله
مطران كندا للروم الملكيين الكاثوليك
إلى سائر أبنائنا وبناتنا بالمسيح يسوع، إكليروساً وشعباً
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح
في زمن الصوم المقدس هذا، يكلّمنا الله ويخاطبنا. لنسمع له إذن أيها الأبناء الأحباء ولنسلك بحسب دعوته لنا.
يقول لنا الله تعالى في سفر أشعيا النبي: ” أليس الصوم الذي فضلته هو هذا: حلّ قيود الشر وفكّ ربط النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وتحطيم كل نير؟ أليس هو أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل البائسين المطرودين بيتك وإذا رأيت العريان أن تكسوه وأن لا تتوارى عن لحمك؟ حينئذ يبزغ كالفجر نورك ويندب جرحك سريعا ويسير برّك أمامك ومجد الربّ يجمع شملك.” (أش 58: 6-8).
في تعليمه عن اليوم الأخير، يوم الدين، في إنجيل متى 25: 31-46، يصف لنا المسيح مشهدا رائعا، مذكّرا إيانا، بكلمات مشابهة ومقاربة لما جاء في سفر أشعيا، أهمية محبة القريب. ونراه مشددا على عمل الخير في الخفاء، إذ يعلمنا بحسب الإنجيلي متى أيضا (متى 6: 1-18) ألا نُظهِرَ صومَنا للآخرين معبّسين، وأن نتصدّق دون إخطار أحد، وأن نصلّي في مخادعنا. وأبونا السماوي يجازينا في الخفية. فهذه المشورات الإنجيلية الثلاثة: الصوم والصدقة والصلاة تكمّل إحداها الأخرى، ونجدها دائما متلاصقة ومتلاحمة بحسب تعليم الإنجيل.
لنتأمّل سويّة ببعض كلمات الربّ لنا، في زمن الصوم هذا، عسانا نتعظ بها مستلهمين ومستوحين نعمة الله:
– ” أعطيكم وصية جديدة: أحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أحبوا أنتم أيضا بعضكم
بعضا.” (يو13: 34).
– ” ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه.” (يو15: 13).
– ” طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله.” (متى5: 8)
– ” طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون.” (متى5: 9).
– ” فحيث يكون كنزك يكون قلبك.” (متى6: 21).
– ” أما أنا فأقول لكم : أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم.” (متى5: 44).
– ” فقال له يسوع: لا أقول لك: سبع مرات، بل سبعين مرة سبع مرات.” (متى18:
22).
– ” احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب، تجدوا الراحة لنفوسكم.”
(متى11: 29).
– ” كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم.” (لو6: 36).
– ” فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل.” (متى5: 48).
– ” أنتم نور العالم. لا تخفى مدينة قائمة على جبل.” (متى5: 14).
– ” أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح، فأي شيء يملحه؟ إنه لا يصلح بعد ذلك إلا
لأن يطرح في خارج الدار فيدوسه الناس.” (متى5: 13).
وعندما نفكّر أيضا بكلمات القديس بولس الرسول لنا:
– ” فالحياة عندي هي المسيح، والموت ربح.” (فل1: 21).
– ” من هدم هيكل الله هدمه الله، لأن هيكل الله مقدس، وهذا الهيكل هو أنتم.”
(1كو3: 17).
– ” وقد بينت لكم بأجلى بيان أنه بمثل هذا الجهد يجب علينا أن نسعف الضعفاء، ذاكرين كلام الرب يسوع وقد قال هو نفسه: السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ.” (رسل20: 35).
وبكلمات القديس يعقوب الرسول لنا:
– ” فكما أن الجسد بلا روح ميت فكذلك الإيمان بلا أعمال ميت.” (يع2: 26).
نجد في كلمات الكتاب المقدس ما يحثنا على عيش كمال الإيمان، إلى أن نبلغ ملء قامة
المسيح.
كل هذه العبارات الكتابية والتعاليم الإنجيلية تبشّر قلوبنا وتخاطب عقولنا وتعلن لنا، ولغيرنا من خلالنا، كلمة الحياة. وتقود خطانا في مسيرة تهيئة ذاتية مُستبِقَة ومباشرة، بالقول والعمل، للمشاركة فعليا ” بسينودس الأساقفة الخاص ” المرتقب إنعقاده في روما سنة 2012 والذي سينصب اهتمامه لدرس موضوع ” تجديد تبشير أو الكرازة الجديدة “.
إن الكنيسة الجامعة تعلّمنا في التعليم المسيحي الكاثوليكي (عدد 540 و 1438) أن نتحد خلال الزمن الأربعيني المقدس بسرّ يسوع المسيح الذي استعد لرسالته العلنية قي الصحراء صائما هو أيضا أربعين يوما وأربعين ليلة… فهذا هو حقا الزمن الملائم لكل التمارين الروحية، كالتوبة والحج والإماتات والإمساك عن الطعام والصدقة والمشاركة الأخوية…
أمّا الكنيسة الملكية المشرقية، فبعد آحاد التريوذي الأربعة الأولى: أحد الفريسي والعشار، أحد الإبن الشاطر، أحد مرفع اللحم وأحد مرفع الجبن، تدعونا في زمن الصوم المقدس لتلاوة صلاة النوم الكبرى المعروفة بصلاة : ” يارب القوات ” وصلاة مدائح العذراء مريم المعروفة بصلاة : ” الأكاثستوس ” أي الصلاة التي لا جلوس فيها. كما وأنها تدعونا في كل أحد من آحاد الصوم المقدس لتوبة وارتداد جديدين من خلال تذكار الأيقونات المقدسة في الأحد الأول، والذخائر المقدسة في الأحد الثاني، وتكريم الصليب المقدس في الأحد الثالث، والإقتداء بسلّم الفضائل من وضع يوحنا السلّمي في الأحد الرابع، واتباع توبة مريم المصرية في الأحد الخامس. إن زمن الصوم المقدس لهو زمن مبارك حقا، فيه نقترب أكثر فأكثر من الله تعالى بعيشنا الحقيقي والتزامنا الكامل، بكل فرح ومحبة، بهذه التمارين الروحية.
إن أجمل وأعذب شهادة حيّة يمكن أن نعيشها في زمن الصوم المقدس، تنير للآخرين وتعكس
حقيقة الإيمان وحيويته، هي نبذ حبّ المال. فالمال يمكن أن يغذّي روح الطمع، فيصبح سيدا خطرا (متى6: 24) يقوى على النفوس الضعيفة، ويأخذ مكانة الباري تعالى في القلوب ويحوّل محبة القريب إلى حبّ الإمتلاك والإهتمامَ الحقيقي بالذات إلى الإهتمام بجمع الثروات. إن خيارنا الأول والأخير كمؤمنين هو الله. وأي خيار يخرج عن هذا المبدأ الأساسي يتحول إلى لذّة شخصية آنيّة، أو تجارة دنيوية، أو شرفية أو سلطة وقوة بشرية. يقول القديس بولس الرسول في هذا السياق: ” لأن حب المال أصل كل شر، وقد استسلم إليه بعض الناس فضلّوا عن الإيمان وأصابوا أنفسهم بأوجاع كثيرة.” (1 تيم6: 10)
إن أنجع طريقة في تلبية دعوة الله لنا والسعي لكسب رضاه لا رضى الناس هي الخدمة الفرحة والطوعية والمجانية. بحيث إن الخادم الحقيقي، ومهما عظم شأنه، لا يتسابق لاعتلاء المنابر بل نراه مجاهدا في الميدان. إن عظمة الخدمة تتأتى من كثرة المحبة. لهذا يمكننا أن نختم قائلين: إن سعة القلب المسيحي لا تنغمر ولا تمتلئ فرحا ما دام هناك بؤس يُرسَم على وجوه الآخرين.
صوم مقدس ومبارك من الله!
خادمكم بالرب
المطران إبراهيم إبراهيم