العائلة والبابا يوحنا بولس الثّاني (2)

زوق مصبح، الخميس 31 مارس 2011 (Zenit.org). –  مع اقتراب تطويب البابا يوحنا بولس الثاني يسرنا أن ننشر مقالة قيمة للأباتي الدكتور سمعان أبو عبدو رئيس عام الرهبنة المارونية المريمية تبين الاهتمام الخاص الذي كرسه كارول فويتيوا للعائلة، وفكره العميق في هذا المجال. وإلى القسم الثاني من المقالة:

* * *

Share this Entry

2- سينودس أساقفة وإرشاد رسولي حول العائلة

بعد سنتين فقط من تولّيه سدّة البابويّة، يدعو البابا يوحنا بولس الثاني إلى انعقاد مجمع أساقفة في تشرين الأوّل 1980 لدرس أوضاع العائلة المسيحيّة في العالم ، وذلك دليل على اهتمام الكنيسة العميق بالعائلة. كما وأنّ الكنيسة تضع ذاتها في خدمة كلّ إنسان يهمّه مصير الزواج والعائلة.

“إنّ مستقبل البشريّة يتوقّف على العائلة”[1]. هذا القول الذي ردّده قداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني مراراً، ينمّ عن قلق وعن أمل معاً كامنين في فكر قداسته وقلبه عندما وجّه إرشاده الرسوليّ هذا “في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم” بتاريخ 22 تشرين  الثّاني 1981 في أعقاب مجمع الأساقفة.

هذا الإرشاد يتضمّن أربعة أقسام نستخلص منها بشكل موجز هذه الأفكار الأساسيّة حول دور العائلة المسيحيّة.

‌أ-     العائلة هي شركة أشخاص: دائمة لا تنحلّ، بين رجل وامرأة، يربطهما سرّ الزواج المقدّس ويعيشان بأمانة واقع الشراكة ساعيَين لتطويرها لتصبح أصليّة.

‌ب-العائلة في خدمة الحياة: في نقلها وتربيتها، فالزوجان متعاونان في محبّة الله الخالق، ومن واجبهما وحقّهما تربية أولادهما، فهما المربّيان الأوّلان والرئيسان لأولادهما.

‌ج-  بما أنّ العائلة هي خليّة المجتمع الأولى والحيّة التي تساهم في تطوير المجتمع، فهي المكان الذي يولد فيه المواطنون، وهي أوّل مدرسة للفضائل الإجتماعيّة، ولها يعود الدور المسؤول في تطوير المجتمع.

‌د-    العائلة تشارك في حياة الكنيسة ورسالتها، فهي تؤمن وتنشر الإنجيل. تقيم الحوار مع الله، وتقوم بخدمة الناس. هي “كنيسة بيتيّة صغرى”. فعلى مثال الكنيسة الكبرى تبشّر بالإنجيل وتواصل التربية على الإيمان.

هذا الإرشاد يوضّح للبشريّة تعليم الكنيسة فيما يختصّ بالزواج والعائلة، يذكّر المؤمنين بما هو أساس وينبوع هذا التعليم، أعني المشيئة الإلهيّة وما يقصده الله ويخطّطه للزوجين وللوالدين وأولادهم، فيقول: “إنّ الكنيسة، وقد استنارت بالإيمان الذي يفهمها كلّ الحقيقة المتعلّقة بما للزواج والعائلة من قيمة غالية ومعنى عميق، لتشعر مجدّداً بالحاجة الملحّة إلى أن تبشّر بالإنجيل أي “بالخبر المفرح” جميع الناس دونما تمييز وخاصّة المدعوّين إلى الزواج الذي يستعدّون له، وجميع الأزواج وجميع الوالدين في العالم”[2].

وقد جاء في طلبه من كلّ إنسان أن يهتم بالعائلة: “من اللازم، إذن، وبصورة ملحّة، أن يلتزم كلّ إنسان ذي إرادة صالحة بواجب المحافظة على ما للعائلة من قيم سامية، ويعمل على تطويرها”[3]. البابا يترك هذا الإرشاد بين يدي الجميع كوديعة أساسيّة.

وينهي قداسة البابا هذا الإرشاد: “في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم” بكلمات توجيهيّة حارّة حيث يقول:

“إنّا، إذ نختم هذا الإرشاد الرسولي، نتّجه إليكم بعاطفة المحبّة، أيّها الأزواج، ويا آباء العائلات وأمّهاتها، إليكم أنتم، أيّها الشّبّان من كلا الجنسين، الذين يتوقّف عليكم مصير الكنيسة والعالم ويًعقد عليكم أملهما، أنتم الذين ستكونون من العائلة النّواة الأساسيّة النابضة بالحياة والنشاط، على مشارف الألف الثالث”[4].

ولكي يكون هناك تهيئة للأشخاص على المستوى المطلوب للإهتمام براعويّة العائلة أنشأ البابا يوحنا بولس الثّاني “المعهد الحبري للدراسات حول الزواج والعائلة” سنة 1982 من أجل التنشئة اللاهوتيّة والفلسفيّة والعلميّة والراعويّة والخلقيّة في حقل الزواج والعائلة، مركزه جامعة مار يوحنّا اللاتران الحبريّة في روما، وأصبح له اليوم عدّة فروع في العالم، ومن بينها لبنان في جامعة الحكمة – بيروت.

يحثّ قداسة البابا الجميع للإهتمام بالعائلة وبخاصة الأساقفة والكهنة والشمامسة، حيث يقول: “أبرز من يهتمّ بالشأن الرعوي العائلي في الأبرشيّة، إنّما هو الأسقف [ …. ] وليُعنَ عناية خاصّة بأن يجعل من أبرشيّته، يوماً بعد يوم عائلة حقيقيّة ومثلاً وينبوع رجاء للعديد من العائلات المنتمية إليها”[5].

ويأتي إنشاء “المجلس الحبريّ للعائلة” سنة 1982 من قبل البابا ليعزّز هذه الغاية وهي “أن يكون دليلاً على الأهمّيّة التي تعلّقها على العناية الرّاعويّة بالعائلة في العالم، وأن يكون، في الوقت عينه، أداة فعّالة لتطوير هذه العناية على جميع المستويات”[6].

ومن بين الإهتمامات التي خصّ بها العائلة صدور “شرعة حقوق العيلة”، يقدّمها الكرسيّ الرسوليّ لجميع الأشخاص والمؤسّسات والسلطات المعنيّة برسالة العيلة في عالم اليوم.

“إنّ الأسرة، كشركة حياة وحبّ، هي واقعٌ اجتماعيٌّ عميق الجذور، وبطريقة فريدة من نوعها، جماعةٌ سيّدةٌ مطلقة، وإن كانت من نواحٍ كثيرةٍ مقيّدةٍ بشروط. إنّ تأكيد سيادة المؤسّسة – الأسرة وواقع ارتباطاتها الكثيرة يقودان إلى التحدّث عن حقوق الأسرة. وبهذا الشأن، أصدر الكرسيّ الرسوليّ، في العام 1983، شرعة حقوق الأسرة التي لا تزال تحافظ على كلّ واقعيّتها.

إنّ حقوق الأسرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان. في الواقع، إذا كانت الأسرة شركة أشخاص، فإنّ إشراقها منوط، بطريقة معبّرة، بالتطبيق العادل لحقوق الأشخاص الذين يؤلّفونها”[7].

[1] المرجع نفسه عدد 86.

[2] المرجع نفسه، عدد 3.

[3] المرجع نفسه، عدد 86.

[4] المرجع نفسه، عدد 86.

[5] المرجع نفسه، عدد 73.

[6] المرجع نفسه، عدد 73.

[7] رسالة إلى الأسر، 1994، عدد 17.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير