رئيس أساقفة الاقصر لزينت : الحوار ليس بين البابا بندكتس السادس عشر والشيخ أحمد الطيب وإنما هو بين الفاتيكان والأزهر

مقابلة مع المطران يؤانس زكريا (3) 

Share this Entry

 حاوره إميل أمين

  الأقصر، الخميس 14 يوليو 2011 (zenit.org). – مصر عقب ثورة 25 يناير، العلاقات بين الإسلام والمسيحية، ولادة التيارات السياسية والدينية المتعصبة، العلاقات بين الفاتيكان والأزهر، أوضاع الأقباط في مصر وغيرها من المواضيع، كانت محور هذا اللقاء الذي قامت به وكالة زينيت العالمية مع رئيس أساقفة الأقصر، المطران يؤانس زكريا.

ننشر في ما يلي القسم الثاني من المقابلة:

بدأنا نسمع ولو على استحياء أصوات تطالب الفاتيكان بالتدخل لحماية أقباط مصر .. كيف تفسر هذه الظاهرة علما انه ليس للفاتيكان فرق عسكرية ولا جيوش كما قال ستالين ذات مرة  ؟

شخصيا لا أقبل ما يسمي بموضوع الحماية الأجنبية للأقباط، ويجب توعية الأقباط الذين يعيشون في بلاد المهجر وينادون بهذا الموضوع بخطورة هذا المطلب، وتأثيره الضار على مصالح الأقباط الذين يعيشون بمصر بجانب إخوتهم المسلمين.

قداسة البابا بندكتس السادس عشر، الذي يرأس دولة الكرسي الرسولي، وهي دولة روحية لا تمتلك جيوش نظامية مثل بقية الدول، لا يألو جهدا في الصلاة من أجل المسيحيين وغير المسيحيين في جميع أنحاء العالم، خاصة عندما تصيبهم الكوارث الطبيعية أو تنتابهم ظروف أليمة وصعبة.

في الفترة الأخيرة ذكر قداسة البابا الحوادث المأساوية التي مر بها أبناء الكنيسة في العراق ومصر وباكستان، وطلب أن يتحد معه الجميع في الصلاة من أجلهم، كما طلب من أصحاب الأمر في هذه الدول مزيدا من الاهتمام والرعاية لصالح رعاياهم، وهذا الطلب لا يعد تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد المذكورة، ولكنه رسالة محبة ومساندة لنصرة مساعدة الإنسان المقهور والمتضرر من أخيه الإنسان.     

فيما خص العلاقة مع شيخ الأزهر الدكتور الطيب ترى – وهو ينتمي جغرافيا الى الأقصر – انه يزايد على السلفيين  في قطعه للعلاقة مع الفاتيكان ووقف الحوار ؟

أعتقد أن هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من الصبر والوقت والحوار المتبادل لكي يفهم الجانبان كلا منهما الآخر. حاليا أرى أن الإصرار على استئناف الحوار بين الجانبين بأي طريقة كانت ليس هو في صالح هذا الحوار المنشود. كما أرى أن بعض التصريحات الصادرة من هنا وهناك حول هذا الموضوع، والتي تفسرها وسائل الإعلام وفقا لأغراضها الخاصة وسياستها المقصودة، تضر أكثر مما تنفع في تحسين العلاقة بين الكرسي الرسولي والجامع الأزهر الشريف.

وأود أن أوضح، مع خالص تقديري واحترامي لجميع الأطراف، بأن الحوار المنشود ليس هو حوارا بين شخص قداسة البابا بندكتس السادس عشر وشخص فضيلة الأمام الأكبر الدكتور الطيب، بل هو حوارا بين الكرسي الرسولي، بكل ما يمثله من تراث روحي مسيحي عميق، والجامع الأزهر الشريف، بكل ما يمثله من سماحة إسلامية أصيلة.

كل ما أرجوه أن يتم التواصل سريعا بين الطرفين، ويتم استئناف الحوار قريبا، لأن قطع العلاقات ووقف الحوار هو مضر للطرفين ولا يستفيد أحد منه شيئا.          

بعد زيارة الدكتور نبيل العربي الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية إبان شغله لمنصب وزير الخارجية لمصر لقداسة البابا بندكتس وتبيان ان العلاقة بين القاهرة والفاتيكان بخير .. ما الذي يعوق عودة الحوار من جديد ؟

بعد حادث استشهاد الأقباط في كنيسة القديسين بالإسكندرية، أدان قداسة البابا بندكتس السادس عشر هذا العمل الإرهابي، ودعا الحكومة المصرية وحكومات بلاد الشرق الأوسط إلى بذل المزيد من الاهتمام لحماية أرواح القلة المسيحية في هذه البلاد. للأسف لم يفهم رجال الحكومة المصرية السابقة رسالة قداسة البابا واعتبروها تدخلا في الشؤون الداخلية المصرية، واحتجاجا على هذا التدخل، استدعت وزارة الخارجية المصرية السفيرة المصرية لدى الكرسي الرسولي للقاهرة بهدف التشاور.

في هذا الوقت عينه، أدان معظم زعماء العالم حادث كنيسة الإسكندرية، ودعوا حكومات الشرق الأوسط لحماية القلة المسيحية، ولكن لم يكن هناك ردود فعل من قبل الحكومة المصرية مثلما حدث مع قداسة البابا.

بعد عودة السفيرة المصرية لمواصلة رسالتها لدى الكرسي الرسولي، وبعد تنحية الرئيس مبارك وتغيير الحكومة المصرية، قام وزير الخارجية المصري بزيارة الكرسي الرسولي ومقابلة قداسة البابا، وبحث معه كيفية تعزيز العلاقات الثنائية الحميمة بين جمهورية مصر العربية ودولة الكرسي الرسولي، كما أطلعه على أخر المستجدات في الساحة المصرية بعد اندلاع ثورة الشباب وتغيير نظام الحكم في مصر، وبذلك عادت العلاقات بين جمهورية مصر العربية والكرسي الرسولي إلى طبيعتها، وتفهم الجانبان أن ما حدث كان بسبب سوء الفهم وحساسية الموقف.

بعد زيارة وزير الخارجية المصري للكرسي الرسولي، وزيارة أمين لجنة الحوار بين المسيحية والإسلام بالفاتيكان لفضيلة شيخ الأزهر بالقاهرة،  كان من المفروض أن يتم استئناف الحوار بين الطرفين، ولكن للأسف الشديد، بعد اجتماع ضم كبار العلماء بالأزهر، أعلن  فضيلة شيخ الأزهر بتأجيل استئناف الحوار بين الأزهر الشريف والكرسي الرسولي.        

منذ نحو عقدين من الزمان قال صموئيل هنتنجتون بالصراع الحضاري المنطلق  من أسس دينية .. هل حال تحول ” ربيع العرب ” الى ” ربيع الأصوليات ” ستكون نبؤة الرجل قد تحققت بالفعل ؟

بعد سقوط وفشل النظام الشيوعي، وتفتت دولة الاتحاد السوفيتي، و تحرر دول شرق أوروبا، وذوبان حلف وارسو، ونهاية الحرب الباردة بين
الشرق والغرب، كان على دول الغرب أن تجد  لها بديلا للمنافسة والصراع، بهدف بسط النفوذ السياسي واستعراض مظاهر القوى العسكرية. بدأ الصدام بين الغرب والشرق مع زيادة ونمو الأعمال الإرهابية لبعض الجماعات الإسلامية، وأدى هذا إلى حرب تحرير الكويت، والحروب في العراق وأفغانستان والصومال. هذه الحروب التي تهدف للقضاء على الإرهاب الدولي، للأسف مازال البعض ينظر إليها كحرب بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي, كما رأى البعض الآخر أن هذه الحرب هي الصراع الحضاري المنطلق على أسس دينية، على حسب ما كتب صموئيل هنتنجتون في كتابه عن “صراع الحضارات”.

أتمنى أن تؤدي ثورة الشباب على ظلم وفساد الأنظمة الدكتاتورية، وانطلاق ثورة الربيع العربي وتفتح زهور الحرية، إلى تحقيق حلم الدولة الديمقراطية المدنية، وإلى بناء المجتمع المثالي المبني على الحب والسلام، والذي يجمع بين جنباته جميع أبناء الوطن بدون تفرقة دينية أو تمييز مذهبي، بل الكل هم إخوة متحابون، يتعاونون معا من أجل مصلحة وتقدم رفاهية بلداهم.      

أخيرا بين التشاؤم والتفاؤل أين تمضون صاحب النيافة ؟ وما هي نصيحتكم للمصريين بعمومهم  مسلميهم وأقباطهم في هذا المنعطف المصيري الذي تمر به مصر ؟

كمواطن مصري درس وتعمق في التاريخ الحضاري لمصر، الممتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى أيامنا الحديثة، فأنا متفائل في قوة وقدرة الشعب المصري، بكل أفراده وفئاته، وبمسلميه ومسيحيه، على الانتصار على كل ما سوف يقابله من أزمات تعوقه عن بناء دولة مصر الحديثة، المتقدمة والمتطورة، حتى تنال مكانتها بين بلاد العالم المتحضر والمعاصر. مثلما تفوقت الحضارة المصرية وانتصرت على كل ما قابلها من مصاعب وألام عبر تاريخها الطويل والممتد لآلاف من السنين، ومثلما استطاعت العبقرية المتجددة للإنسان المصري أن تتغلب على كل قوى الاحتلال والظلم والقهر، هكذا في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ  سوف تنتصر مصر وتتقدم  بفضل تلك الروح المصرية المتأصلة في قلوب جميع المصريين، وبفضل شجاعة وحماس كل أبنائها.        

وكمسيحي يؤمن بالرجاء ويعيش بقوة الحب والإيمان، أميل بكل قوة نحو التفاؤل.

هو تفاؤل لكن يصاحبه الكثير من الحذر لصعوبة مسيرة الحرية، والانتباه الشديد أمام معوقات طريق بناء الدولة الحديثة، وتحقيق الحياة الأفضل والمستقبل الزاهر لكل المصريين.

نصيحتي لكل أبناء وطني، هي أن نقوم جميعا ونتعاون في العمل والبناء، وأن نطرح جانبا كل ما يفرق بيننا، وأن نسعى جميعا من أجل تأسيس مجتمع الحب والسلام.   

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير