أندريا ريكاردي، مؤسس جماعة سانت ايجيدو
روما، الخميس 14 يوليو 2011 (Zenit.org) – إنّ الحركة التي بدأت في أسيزي استمرّت؛ فالعالم الفرنسيسكاني في مختلف البلدان التزم بهذه الحقيقة. وتنظّمُ جماعة سانت ايجيدو لقاءاتٍ سنويّة بين قادة الأديان في مختلف مدن العالم بروح عام 1986: من روما إلى أورسو عام 1989 (بحجٍ إلى أوشفيتز شارك فيه المسلمون)، في مالطا، أورشليم، ليون، بوخارست (حدث مهّد لرحلة يوحنّا بولس الثاني إلى تلك البلاد، كما أعلن البطريرك دانيال)، وحتّى قبرص وأماكن أخرى. في واحدة من رسائله لهذه اللقاءات، إلى باليرمو عام 2002، كتب البابا بأنّ عام 1986 “وسم بداية طريقةٍ جديدة للقاء بين المؤمنين من مختلف الأديان: ليس من خلال التعارض ولا الاحتقار المتبادل، بل في البحث عن حوارٍ بنّاء والذي فيه، دون الانغماس في النسبية ولا في التوفيقية، لابدّ لكل واحد أن ينفتح على الآخر باحترام مع إدراك الجميع بأنّ الله هو مصدر السلام”. وهكذا ختم يوحنّا بولس الثاني: “من ذلك الوقت، من خلال توسيع مدى “روح أسيزي”، استمرّ تنظيمُ لقاءاتِ الصلاة والتفكير المشترك هذه، وأشكرُ جماعة سانت ايجيدو على الشجاعة والجرأة التي بهما استأنفت “روح أسيزي” الذي جعلنا نشعرُ سنة بعد سنة بقوّته في مختلف دول العالم”.
وفي المسيرة إلى أسيزي انضمّ العديدُ من القادة الدينيين، ومن غير المؤمنين وخاصّةً في التسعينات. أعطي هنا مثالاً من بين أمثلة عديدة للرئيس البرتغالي سواريس أو جين دانيال المهتمين بموضوع السلام وأساسه الروحي. وتدريجيًا تجسّد اللقاءُ بين الأديان والثقافات ليدور حول يوم الصلاة والصمت، في حوارٍ يتمُّ بمودّةٍ وعقلانية. هكذا أصبحَ حدثُ أسيزي عام 1986 تعبيرًا – ليس يوميًا بل “استثنائيًا” – للسلام بين الشعوب المؤمنة، يُكرر سنويًا ليحثّ على التفاهم على الصعيد المحلي وفي الحياة اليومية. لقد غذّى صداقة حقيقية بين المؤمنين من مختلف الديانات وبين هؤلاء والعلمانيين. ليس “للحوار” قدرة عقلية فقط، بل يقودُ إلى الصداقة، وهو حدثٌ مميّز بين المجتمعات والأشخاص الذين يجهلون أو أولئك المعرّضين للمعارضة.
عاش يوحنّا بولس الثاني اللقاء مع أتباع مختلف الديانات في رحلاته الرسولية: “جميع الرحلات نوعًا ما استمرارٌ لأسيزي. ويمكننا القول إنّ يوم أسيزي حدثٌ لا رجعة فيه (…) ولابدّ من القول أيضًا بأنّ أسيزي كانت ثمرة العديد من الرحلات”، كما أعلن لدى عودته من آسيا. وفي عام 1994، أثناء صراع البلقان، عاد البابا إلى أسيزي مع اليهود والمسلمين – بينما كان الأرثوذكس غائبين – للصلاة من أجل السلام. وبعد خمسة سنين، قاد مجموعة من القادة الدينين إلى ساحة مار بطرس لسهرة اليوبيل الكبير: “تشجيعُ ثقافة الحوار هو واجبنا. لوحدنا أو جميعنا سويةً علينا أن نبيّن بأنّ الإيمان الديني يُلهمُ السلام”.
وبعد الهجوم المرعب على برجي التجارة العالمي عام 2002، بدت فكرة أسيزي لكثيرين ساذجة وقد عفا عليها الزمن. ألم يكن هناك صراعٌ ديني وحضاري؟ أراد البابا فويتيلا بحركةٍ رائعة، بعد أن طلبَ من الكاثوليك الصوم في اليوم الأخير من رمضان، الصلاة مرةً أخرى في أسيزي. وبدأ عقدٌ من توترٍ كبير، بينما وأمام عنف الإرهاب الأعمى، يبدو النهج الخيري بين الأديان موسومًا بالسذاجة. أعلن أسامة بن لادن، في واحدةٍ من تصريحاته العدائية: “هم يريدون الحوار، ونحنُ الموت”. وغالبًا ما تمّ تأكيد موقفٍ رافض نحو الحوار مع عالم الأديان.
لابدّ من الإشارة إلى الطريق الذي خطاه بندكتس السادس عشر في لقاءاته من الجامع الأزرق في أسطنبول إلى كنيس روما والذي سيصل في أكتوبر من هذا العام إلى أسيزي. وفي الحديث عن نابولي عام 2007، في اللقاء مع القادة الدينيين الذي أقامته جماعة سانت ايجيدو، أكّد البابا: “جميعنا مدعوون للعمل من أجل السلام وإلى التزامٍ نشط لتعزيز المصالحة بين الشعوب. وهذا هو “روح أسيزي” الأصلي الذي يعاكس كلّ أشكال العنف والإساءة إلى الدين والذي يبرّر العنف”. إنّ منطق الصراع ليس هو مستقبل البشرية، بل لابدّ من توجيه القلوب والعقول ليس إلى صراع الحضارات، بل إلى حضارة العيش سويةً وهذا يتطلبُ إشراك الطاقات الروحية. وختم البابا في نابولي: “أمام عالمٍ ممزق بالعنف، حيث يبرّر العنف أحيانًا باسم الله، من المهم التأكيد أكثر من أي وقتٍ مضى على إحتمالية أن تصبح الأديان روابط للكراهية (…). بينما على العكس، فإنّ الأديان يمكنها ويجب عليها تقديم مصادر ثمينة لبناء إنسانيةٍ مسالمة، لكي يُتكلم عن السلام لقلب الإنسان”. هذا سيكون تحدّي أسيزي لعام 2011، ولكنه أيضًا تحدي العيش سويةً بسلام بين شعوبٍ ذات تقاليد وهوّيات مختلفة. في مفترقات التأريخ الصعبة، تخدمُ الكنيسة الكاثوليكية، بينما تشهدُ بإيمانها بيسوع المسيح المخلّص الوحيد للبشرية، من أجل وحدة الأمم وهي تأملُ في تحريك شعور قداسة السلام والحياة الإنسانية في نفوس أتباع جميع الديانات.