كلمة الأب رعيدي بعد إنتخابه رئيساً عاماً للرهبانية الأنطونية

الدكوانة، الاثنين 25 يوليو 2011 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي كلمة الأباني داوود رعيدي، الرئيس العام الجديد للرهبنة المارونية الأنطونية، وذلك عقب انتخابة في المجمع الأنطوني العام الثالث والخمسين، وقد نقل تفاصيل الخطاب موقع الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة في لبنان.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

* * *

“ما اجمل أن يجتمع الإخوة معاً”،
أشكر الله على أجواء المحبة والأخوة التي سادت مجمعنا العام الأنطوني 53.

 هذه الأجواء التي هي دوماً فخر لكل راهب أنطوني.هذا ما يميز إداء الشراكة في الرهبانية.إنَّ الانتخابات محطة عابرة أما الأساس فهو المسيح الذي عليه تَبني الرهبانية معالم مسيرتها للتجدد والعطاء. إنَّ السلطة الناتجة عن الانتخابات ليست سوى انعكاس للوحدة الرهبانية المبنية أصلا على غنى تنوع الجسد السري، لأن أي سلطة لا تقوم إلاباشتراك كل فرد فيها. فليست العددية هي المرجعية في الرهبنة، بل كل راهب هو مرجعية للرهبنة يختصرها بشخصه ووفائه لها.

أشكر إخوتي الرهبان الذين اشتركوا من بعيد في المجمع، والذين يحملون همنا ويرافقونا في صلواتهم ، وأرجو أن يرافقوني في أدعيتهم لأني من دون دعمهم لن أتمكن من السير ، مع المجمع الجديد، بالرهبانية إلى الغاية،أشكر ثقتكم كلَّكم لأن هذا المجمع الانتخابي عكس بالفعل الوحدة والانفتاح عند كل أنطوني.

كما أشكر المجمع السابق الذي قام بخدمة الرهبانية في السنوات الست المنصرمة، بمحبة وتفان، برئاسة الأباتي بولس تنوري،إذ إنه قام بهذه المسؤولية على ولايتين منفصلتين.واتمنى ان اكون مع مجلس المدبرين الجديد في خط ابائنا كلاًّ للكل ويدا بيد لما فيه خير كل راهب ونجاح الرهبنة. وكلنا أمل بأن ما تملكونه من قدرات ومواهب، يا أخوتي الرهبان، تشكل الخزَّان الحياتي لتثبيت شعبنا ومساعدته لنجعل معاً حياتنا ورشة عمل للخير والبركات.

خلال التحضير للمجمع تداولنا كثيراً عن مواصفات الرئيس العام، البعض قاربها مع صفات الله الحسنى،  وآخرون اختزلوها لتغدو مفصَّلةً على قياس معين. ولكني أريد أن اقول لكم بأن هذه المواصفات التي نريدها، لترأس بالمحبة الرهبانية، هي المواصفات التي على كل راهب أنطوني ان يتحلَّى بها وبقدر رقينا إلى هذه المواصفات، يمكننا أن نؤدي شهادة مسيحية فعالة.

كلنا نتطلع إلى الغد، ولكن إسهام الرهبنة في تحقيق الملكوت، يحتاج إلى كل واحد منا. ففي سعينا للخير الواحد، ومع بعض التضحية بالأمور الصغيرة، يمكننا أن ننجح في مسيرتنا، لأن النجاح هو نتيجة للتعاون، والتعاون يؤدي إلى خدمة الخير العام وخدمة شعبنا الذي ينتظر منَّا الكثير.

نعرف جميعاً بأن عيون اللبنانيين، وبخاصة المسيحيين منهم، وخصوصاً أبناء وأصدقاء الرهبانية، مقيمين ومنتشرين شاخصة نحونا، ليس لمعرفة السلطة الجديدة فقط، بل لما ينتظرونه منا على المستوى الروحي، والنسكي، والإنساني، والرعوي، والتعليمي، والاجتماعي. إنهم ينظرون إلى الوزنات التي نحملها، إلى الغنى الشخصي والجماعي الذي يمكننا أن نستثمره على مختلف الأصعدة، لنؤدي من خلاله قسطنا الوطني والاجتماعي والكنسي انطلاقا من روح الثورة على الرتابة والاكتفاء التي تميزت بها الحياة الرهبانية منذ نشأتها. وبفضل جهود أسلافنا، وتحصيل رهباننا الروحي والعلمي، تحتضن الرهبانية إمكانات هائلة يمكننا من خلالها أن نبث في المجتمع روح العطاء والمجّانية.

قد يعتقد البعض بأننا قادمون على ولاية ذات طابع إداري، لذا يهمنا أن أقول لكم بأن الالتزام الإنجيلي هو المقاربة الوحيدة في اساس كل إدارة، لأنه الخلفية الصلبة لكل عمل ولكل شهادة أمام العالم، عدا عن أنه يشكل هدف الرهبانية الأول في اتحادها مع المسيح وبعضها مع بعض.إن أولوية الحضور أمام الله، هي التي تملي علينا خطوات جريئة لشهادة صالحة وخدمة شفافة.

كما يتصور البعض الآخر، بأننا على عتبة التجديد، ولكن الكنيسة وبالتالي الرهبانية لا تفهم ذاتها إلا متجددة بقوة الروح القدس، وإذا كان ثمة تجديد، فأعتقد بأن ما يقوله مار اغناطيوس دو لويولا كاف بتحديده، يقول: “إذا أردت ان تقوم برياضة روحية داخل ديرك، فعلى الأقل غير غرفتك” فالتجديد في الرهبنة لا يشمل الجوهر لأنها تستلهم دوما حياتها من الإنجيل ومن تراكم الخبرات التاريخية للكنيسة وللحياة الرهبانية نفسها ومن الضوابط القانونية، إنما يتطرق التجديد إلى بعض المستويات الظاهرة المتفاعلة مع تحديات اليوم، لأن التزامنا في الرهبانية واحد لا مزايدة فيه من أحد على آخر”.

إننا اليوم في الكنيسة والوطن والرهبنة امام تحديات كثيرة، وعلينا ان نكون الأمل والرجاء لشعبنا كمعلمنا يسوع سيد الأمل والرجاء.

نحيي قداسة الحبر الاعظم البابا  بندكتس السادس عشر راس الكنيسة الجامعة مجددين طاعتنا له وتعلق رهبانيتنا البنوي به. نحيي غبطة أبينا السيد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ونطلب بركته لنتمكن معه من إرساء حضارة المحبة وذهنية الشِركة، ونكون على مستوى دعوة الله لنا وأمل شعبنا بنا. كما نحي أساقفتنا في لبنان وبلاد الانتشار ونخص بالذكر مار يوسف بشارة مطران الأبرشية، وأقول لهم جميعاً: إن انتخاباتنا الرهبانية كانت تحمل هم الكنيسة المارونية وكل المسيحيين في لبنان والمشرق وحيثما حلَّ أبناء كنيستنا،قبل أن تحمل الهمَّ الداخلي للبيت الانطوني، لذا كان تفكيرنا وتأملنا  يرتكزان على استراتيجية قوامها التعاون مع الكنيسة، مسؤولين ومؤمنين للقيام بالرسالة الموكلة إلينا وتعزيز حضور الكنيسة في المجتمعات المتنوعة التواقة إلى الحرية.

نحيي السلطة المدنية في لبنان وعلى رأسها فخامة  رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ونؤكد له ومن خلاله لكل للبنانيين، مسيحيين ومسلمين: بأننا جاهزون للقيام بدورنا النبوي في بناء المجتمع انطلاقاً من إرث الحوار الذي
تميزت به رهبانيتنا، ونؤكد إلتزام كل دير ومركز أنطوني بالسعي الدؤوب للحفاظ على التراث والأرض، لأن الأرض جزء كبير من الهوية ولا غد لنا دون هذه الهوية والأرض التي تجعل من لبنان واحة لقاء ورسالة، إضافة إلى تفعيل التعليم والثقافة ونشر الرجاء في إمكانية العيش معاً بحرية وعدالة. ويشرفنا أننا اخترنا هذه المقاربة في الإسهام الوطني لأنها تحتاج إلى حضور رهباني متجرِّد وشهادة إيمان يرسمان للبنان معالم التعددية والتنوع.

في النهاية أرفع الدعاء إلى شفعاء الرهبانية الذين على أسمائهم بنيت أديارنا ومؤسساتنا، وأمامهم صلينا وتضرعنا، ومنهم تعلمنا التضحية والشهادة، إلى قديسي الرهبانية وشهدائها أصلي، إلى الذين سبقونا منذ التأسيس لغاية اليوم وقد خزنوا للرهبنة ذخراً وبركة ما زلنا ننهل منها حتى اليوم، وهي مدعاة افتخارنا وعزَّتنا، أجيال من الأنطونيين مرَّت  تاركة وراءها أسطورةٌ من المحبة، ولا يمكننا اليوم إلا أن نُقرَّ جميعاً بالهالة التي جمعت تاريخنا مع حاضرنا لتجعل منه نافذة للفاعلية في الكنيسة والوطن.

الأباتي داوود رعيدي

الرئيس العام

للرهبانية الأنطونية المارونية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير