كواترو فينتوس، الأحد 21 أغسطس 2011 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي نص كلمة البابا التي لم يستطع أن يلقها مساء أمس بسبب العاصفة غير المتوقعة، خلال الأمسية مع الشباب في كواتروا فينتوس في مدريد.
أيّها الشباب الأعزّاء،
أحييكم جميعًا وعلى الخصوص الشباب الذين طرحوا عليّ أسألتهم، وأشكرهم على الصدق الذي عبّروا به عن همومهم التي تمثّلُ نوعًا ما توقَ جميعكم لتحقيق شيء عظيم في الحياة، شيء يمنحكم الملء والسعادة.
ولكن، كيف يمكنُ للشاب أن يكون أمينًا للإيمان المسيحي ويبقى يتطلّع إلى المُثل العليا في المجتمع الحالي؟ في الإنجيل الذي سمعناه، يعطينا يسوعُ جوابًا لهذه المسألة المهمة: “كما أحبّني الآب، هكذا أنا أحببتكم، اثبتوا في محبتي” (يوحنّا 15، 9).
نعم، أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إنّ اللهَ يحبّنا. هذه هي حقيقةُ حياتنا الكبرى والتي تعطي معنىً لكلّ الباقي. لسنا ثمرة الصدفة أو اللامنطق، بل يوجدُ في أساس كياننا مشروعُ حبّ الله. فالبقاء أمينين لحبّه يعني عندها العيشَ متأصلين في الإيمان، لأنّ الإيمان ليس مجرّد القبول ببعض الحقائق المجرّدة، بل هو علاقة حميمية مع المسيح الذي يدفعنا لنفتح قلوبنا لسرّ الحبّ هذا، وللعيش كأشخاصٍ يشعرون بأنّهم محبوبون من الله.
إذا بقيتم أمينين لمحبّة المسيح، ثابتين في الإيمان، ستجدون حتّى في وسط التناقضات والآلام مصدرَ الفرح والسعادة. إنّ الإيمان لا يتضاددُ مع مُثلكم العُليا، بالعكس، فهو يرفعها ويقودها إلى الكمال. أيّها الشباب الأعزّاء، لا تتوافقوا مع ما هو أقلّ من الحقيقة والحبّ، ولا تتوافقوا مع أحدٍ غير المسيح.
اليوم بالتحديد، حيث تسودُ ثقافة النسبية التي ترفضُ البحث عن الحقيقة وتحتقرُه مع أنه أسمى ما تطمحُ إليه روحُ الإنسان، علينا أن نعيش بشجاعةٍ وتواضع القيم الشاملة للمسيح، مخلّص جميع البشر ومصدر رجاء حياتنا. فهو الذي أخذ على عاتقه آلامنا، يعرفُ جيدًا سرّ الألم البشري ويكشفُ عن حضوره المليء بالحبّ من خلال جميع من يعانون. وهؤلاء بدورهم، متّحدين بآلام المسيح، يشاركون عن كثب في عمله الخلاصي. كما أنّ اهتمامنا النزيه بالمرضى والمحتاجين سيكونُ دومًا شهادةً متواضعة وصامتة لوجه الله الرحوم.
أيّها الأصدقاء، أملُ ألاّ تشلّكم أيّة محنة! لا تخافوا من العالم ولا من المستقبل ولا من ضعفكم. فالربّ وهبَكم عيشَ هذه اللحظة من التأريخ، لكي ينتشرَ بإيمانكم صدى اسمه في كلّ أنحاء الأرض.
في أمسية الصلاة هذه، أدعوكم لتطلبوا من الله أن يساعدكم على اكتشاف دعوتكم في المجتمع والكنيسة، وأن تكونوا مثابرين في عيشها بسعادةٍ وأمانة. فجديرٌ بالاستحقاق قبولُ دعوة المسيح في قلوبنا واتّباعُ المسيرة التي يعرضها علينا بشجاعة وسخاء!
يدعو الربّ كثيرين للزواج، حيث يصيرُ الرجلُ والمرأة جسدًا واحدًا (راجع تكوين 2، 24)، فيحققون ذواتهم في حياةٍ عميقة من الشِركة. إنّه أفقٌ مشرق وطلاّب في الوقت ذاته، مشروعُ حبٍّ حقيقي يتجددُ ويتعمّق كلّ يوم من خلال تقاسم الأفراح والصعوبات، ويتّسم بكونه تضحية بكامل الشخص البشري. لهذا فالإقرارُ بجمال وخير الزواج يعني الوعي بأنّ جوّ الأمانة وعدم الانحلال، وكذلك الانفتاح على نعمة الحياة الإلهية، وحده فقط يستطيعُ التوافق مع عظمة وكرامة الحبّ الزواجي.
من جانبٍ آخر، يدعو المسيحُ آخرين لاتّباعه أكثر عن قرب من خلال الكهنوت والحياة المكرّسة. كم هو جميلٌ معرفة أنّ يسوع يبحثُ عنك، ينظرُ إليك، وبصوته الذي لا شكّ فيه يقولُ لك أيضًا: “اتبعني!” (راجع مرقس 2، 14).
أيّها الشباب الأعزّاء، من أجل اكتشاف واتّباع صيغة الحياة التي يدعو الربُّ كلّ واحدٍ منّا إليها ومن أجل عيشها وبأمانة، من المحتّم البقاء أمينين لحبّه كأصدقاء. وكيف يمكنُ الحفاظ على الصداقة إن لم يكن من خلال التواصل المستمر والحوار والبقاء متّحدين بواسطة تقاسم الآمال والمشاكل؟ كانت القدّيسة تريزا يسوع تقولُ إنّ الصلاة “حوارُ صداقة، البقاءُ في كثيرٍ من الأحيان في اتّصالٍ شخصي مع ذلك الذي نعرفُ بأنّه يحبّنا” (راجع كتاب حياة، 8).
أدعوكم إذًا أن تحافظوا على عبادتكم للمسيح الحاضر حقًا في الافخارستيا، وأن تتحاوروا معه وتطرحوا عليه أسئلتكم وتصغوا إليه. أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أصلّي من أجلكم من كلّ القلب، وأطلبُ منكم أن تصلّوا أنتم أيضًا من أجلي. فلنطلبْ من الربّ في هذه الليلة، ونحنُ منجذبون بجمال حبّه، أن نعيش دومًا أمينين على مثال تلاميذه. آمين!