بغداد، الثلاثاء 23 أكتوبر 2012 (ZENIT.org). - هاهو ذا الإرشاد الرسولي... هاهي ذي وثيقة وخلاصة مناقشات آباء سينودس الأساقفة لكنائس الشرق الأوسط "شركة وشهادة" بين أيادي رؤســـــــاء كنائسنا الأجلاء، ومؤمني رعايانا الأحبة... إنه هبة السماء لأبناء هذه البسيطة، وسراج لكنائس مشرقنا، ليضيء لشعوبها بمسيحييها ومسلميها وطوائفها الجالسيـــن في انتظار نهاية الصراع (لو26:21)، ليكونوا من يقين بأن الحياة أُعطيت لهم وأُفيضت بالمسيح يسوع (يو2:17)، فقد أحبّ خاصته (يو1:13)، أحبهم إلى الغاية (يو1:13)، أحبهم كلهم فكان للكلّ كلاًّ (1كو22:9)... وهذا كان ديدن قداسة البابا بندكتس السادس عشر... جاء إلى شرقنا المتألم لكي يكون مسيحاً مُحباً إلى الغاية (يو1:13)، بعيداً عن الطائفية والعشائرية والقومية والعنصرية والاستغلالية والغنى والفقر... جاء فسكن بيننا بالجسد (يو14:1)، وأفاض بمواعظه نعماً وخيراتٍ وبركات، ووعد كنيستنا بأن يكون معنا بروحٍ معزٍّ ومدافع (يو16:4-17)، وفسّر لنا الكتب بمعناها الأكيد في الشهادة والشركة، من أجل مسيرة واحدة وحوار واحد وهدف واحد ألا وهو الإنسانية.
إنه بيننا
نعم، حلّ الزائر الأبيض _ قداسة البابا بندكتس السادس عشر _ على أرض لبنان المقدسة، وبحلوله أعلنت نواقيس الكنائس وأجراس المعابد إعلاناً واحداً أنه "آتٍ بمجدٍ عظيم" (متى30:24)، وباسم الرب (يو13:12)... ما أجملها من ترتيلة... إنها سبيل الشهادة... وصوتٌ ينذر بمجيء نائب المسيح... يوصي بالتهيئة والإعداد لطرق الرب وجعل سبله قويمة (متى3:3)... وكم كنتُ أتمنى أن تُدَقّ نواقيس كنائس شرقنا في توقيت واحد وميعاد واحد كي تكون رمزاً واحداً، وصورةً وشركةً لمحبة رجال كنائسنا، وعلامةً لاتفاق رؤسائنا، ومؤمنينا، ومدبّرينا، ورمزاً لأبراج معابدنا... فلبنان يعني شرقنا، بلداناً وشعوباً، بمسلميها ومسيحييها، بعربها ويهودييها، بأكرادها وطوائفها... فإليها وفيها ومنها تنطلق مسيرة وثيقة الإرشاد الرسولي لتكون دماءً حية في عروق أبناء هذا المشرق الشاهد على حقيقة الإيمان.
شجاعة إيمانية
نعم، أقولها، إن البابا قد أحسن قراءة مسيرة تاريخ مسيحيتنا في الشرق وقضية وجودنا فيه، واستدرك أن الآتي ربما يكون خطة ممنهجة، مدروسة، منظَّمة، لتفريغ الشرق الأوسط من سكانه الأصليين، حاملي اسم المسيح، من أجل رسم خريطة جديدة لواقع البشر الأناني، لغايات ومصالح. فالقرار صعب، وتنفيذه بحاجة إلى شجاعة إيمانية تقف ندّاً أمام الذين يستغلون خيبة أبناء الشرق، فيجعلون من ربيعهم خريفاً مؤلماً كما حصل في العديد من بلداننا الشرق أوسطية، بدءاً من عراقنا الرافديني ومروراً بمصر الكنانة ووصولاً إلى سوريا... ولا زالت المسيرة المؤلمة تدور فصولها مما يجعل من مسيرة الحياة ناقوساً يعلن خطر البقاء وفراق المثقفين وتشتيت المتعايشين بدلاً من أن يجمعهم لصلاة واحدة وفي معبد واحد وتحت اسم واحد ولوطن واحد.
في عليّة الفاتيكان
أمام هذه القراءة، اعتبر المعنيون بشؤون مسيحيي الشرق أنفسهم، من رؤساء وقادة كنسيين وروحيين ومدنيين، أنهم بحاجة الى من بسندهم لتحمل هذه المسؤولية التاريخية، فكان قداسته حريصاً، بل أكثر حرصاً وأعمق فكراً وأفهم وعياً، على مسيحيي الشرق من أولئك أنفسهم، فكان معهم في علية الفاتيكان (مر15:14)، وأعلمهم قائلاً:"أن هذا الشرق وطنكم، ومسؤوليته تعود إليكم، وخلاص مسيحييه يأتي من وحدتكم وشركتكم وشهادتكم، وليس اللهو والضياع في تفاصيل صغيرةومصالح انفرادية وغايات زمنية "... فالحياة هي انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء، وإن كان الفاتيكان يملك نظرة استراتيجية لهذا البُعد المسيحي وأهمية المسيحية المشرقية.
سؤال وإرشاد
ضمن هذه المسؤولية ترتفع أصوات المتعَبين والثقيلي الأحمال (متى28:11)، قائلين ومستفسرين: أين هو الإرشاد الرسولي؟، ماذا يقول لنا؟، ماذا يحمل إلينا؟، ما هو واجبنا؟، هل نحن بحاجة إلى إرشاد ثالث جديد إن كان هذا لا يفتح لنا باب السلام ويحملنا إلى أرضٍ تدرّ لبناً وعسلاً؟، هل سيعطي ثماره كي نتذوقها؟، هل سيصفّ لنا مائدة الهناء، ويلغي المسافة الشاسعة بين الرؤساء والمرؤوسين، ويقرّب القائمين على معابد إيماننا بعضهم عن البعض الآخر من أجل كلمة واحدة وهدف واحد؟، هل سيمحو الإرشاد من قاموس مسيرتنا، البغض والحقد والكراهية والانتقام والأنانية وغايات النفس وادّعاءات المرائين والمزيفين والذين يجعلون من أنفسهم حملاناً وهم في داخلهم ذئاب خاطفة بل مفترسة (متى15:7)، شياطين تتفوّه بآيات مقدسة لتغشّ سامعيها وناظريها من أجل رسم خريطة مسيرتهم كما يشاءون، فيؤلّهوا مَن يشاءوا؟... إنها العولمة المدمِّرة والعلمانية البائسة عبر ثقافة عصر الانحطاط والمادية المزيفة وفي العلمنة القاتلة، ويزيدوا في أقوالهم أنه قد مرّت سبعة عشر عاماً على الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، وعامان على هذا الإرشاد الأخير، لكن معظم التوصيات التي يرشدان إليها بقيت حبراً على ورق.
نعم، ربما يكون الحديث مهماً في الأسئلة، ولكن المهم جوابنا على هذه الأسئلة. لنسأل أنفسنا: كيف تهيّأنا وكيف سنتصرف مع فقراته، أساقفة وكهنة ومؤمنون؟، فالبابا أتى ليشدد عزائمنا، وحمل إلينا رسالة محبة عظيمة وسلام أكيد ووئام ثابت... هل نتذوق فعلاً من ثمار الإرشاد الرسولي، فهو بنا ومعنا، وكلانا في المسيح نحمل هذه الثمار (متى16:7)، وبدون المسيح لا يمكن أن نعطي ثماراً (متى17:7)... فالإرشاد لنا كلنا وليس لفئة، كي نكون قلباً واحداً ونفساً واحدة (أع32:4).
* * *
سننشر القسم الثاني من المقالة يوم غد الاربعاء