تابع الأب الأقدس يقول: تنمو من حولنا اليوم صحراء روحية. وبالرغم من عظمة اكتشافات العلم والنجاحات التقنية، لا تزال هناك حالات كثيرة من الاستغلال والعنف والظلم. وأضاف البابا: لا نحتاج فقط للخبز المادي، بل للحب وللرجاء، لأساس أمين، لأرض صلبة تساعدنا لنعيش بمعنى حقيقي حتى في الأزمة والظلمات، في الصعوبات والمشاكل اليومية. وهذا ما يعطينا إياه الإيمان: إنه استسلام واثق بالله. فالإيمان ليس مجرد قبول فكري لحقائق معينة عن الله، بل هو فعل اسلّم به ذاتي بحرية لإله هو أب ويحبني.
لقد أظهر الله أن حبه للإنسان ولكل واحد منا هو بلا حدود: فعلى الصليب، يظهر لنا يسوع الناصري ابن الله المتجسد بشكل واضح إلى أي حد يمكن لهذا الحب أن يصل، حتى بذل الذات، حتى التضحية الكاملة. بسرّ موت وقيامة المسيح، ينزل الله إلى عمق بشريتنا ليعيدها إليه ويرفعها، فالإيمان هو أن نؤمن بحب الله هذا الذي لا ينقص ولا يتغيّر أمام الشر والموت بل هو قادر على تحويل جميع أشكال العبودية، ومنح إمكانية الخلاص.
تابع الأب الأقدس يقول: يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني أنه: “لكي يؤمنَ الإنسان، هو بحاجةٍ إلى نِعمةِ الله السابقةِ والمُسانِدة، وإلى معرفة الروح القدس الداخليّة، الذي يُحرِّكُ القلبَ ويردُّه إلى الله، ويفتحُ بصيرةَ العقلِ ويُعطي الجميعَ العذوبةَ في قبولِ الحقيقةِ والإيمان بها” (دستور عقائدي في الوحي الإلهي، 5). ففي أساس مسيرة إيماننا هناك سرّ العماد الذي به ننال الروح القدس ويجعلنا أبناء لله بالمسيح، ويطبع الدخول في جماعة الإيمان، في الكنيسة: فلا يمكن لأحد أن يؤمن من تلقاء ذاته بدون نعمة الروح القدس، ولا أن يؤمن وحده بل مع الإخوة.
أضاف البابا الإيمان عطية من الله وهو أيضا فعلٌ حر وبشري كما يؤكد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: “لا يمكن الإيمان إلا بنعمة الروح القدس وعونه الداخلي. ومن الثابت أيضاً أن الإيمان فعلٌ إنسانيٌ أصيل، ولا يخالف حرية الإنسان ولا عقله” (عدد 154) بل يدفعهما ويرفعهما في مجازفة حياة كخروج لحريتنا: خروج من ذواتنا، من ضماناتنا للاستسلام لعمل الله الذي يدلنا على طريقه لننال الحرية الحقيقية، هويتنا البشرية، فرح القلب الحقيقي والسلام مع الجميع. فالإيمان هو قبولٌ يقول من خلاله عقلنا وقلبنا “نعم” للرب، من خلال الإعلان أن يسوع هو الرب، فتحول هذه الـ “نعم” حياتنا، وتفتح لها الطريق نحو المعنى الكامل وتجددها وتغنيها بالفرح والرجاء.
ختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول يتطلب زمننا مسيحيين استولى عليهم يسوع (فيل 3، 12) ينمون بالإيمان بفضل الإلفة مع الكتاب المقدس والأسرار، أشخاص ككتاب مفتوح يسرد خبرة الحياة الجديدة بالروح، وحضور الله الذي يعضدنا في المسيرة ويفتحنا على الحياة التي لا نهاية لها.