حوار الخليفة والبطريرك

بقلم الأب جورج مسّوح

Share this Entry

بيروت، الأربعاء 24 أكتوبر 2012 (ZENIT.org). – النهار – لعلّ أرقى حوار مسيحي – إسلامي في المسائل اللاهوتية هو الذي جمع في بغداد البطريرك طيموثاوس الأول والخليفة العبّاسي المهدي. هذا الحوار الذي جرى في بدايات القرن التاسع الميلادي وتناول فيه الطرفان مواضيع خلافية منها الثالوث الأقدس، ألوهة المسيح وتجسّده وصلبه وقيامته من بين الأموات، صحّة الأناجيل… سادت عليه روح الاحترام المتبادل والتقدير وحبّ المعرفة، وذلك أمر نادر جداً في تلك الأيام وفي أيامنا الحاضرة أيضاً.

غير أنّ جواب طيموثاوس عن سؤال المهدي: “ماذا تقول عن محمد؟” يبقى أرقى ما قيل في الحوار. فالبطريرك أكّد أن محمداً “سلك في طريق الأنبياء ومحبّي الله” لأنّه علّم عن وحدانية الله، وأبعد أمّته عن الشرّ والسيئات، وجذب الناس إلى الصلاح والفضائل، ومنع البشر من سجدة الشياطين وعبادة الأوثان وحرّضهم على عبادة الله والسجود لجلالته.

وهذا كله قد فعله جميع أنبياء العهد القديم، لذلك فإن محمداً، وإن لم يكن نبيّاً في المنظور المسيحي فعل ما فعله الأنبياء، فيكون إذاً قد سلك في طريق الأنبياء.

يرى طيموثاوس تماثلاً تاماً بين ما فعله الأنبياء، ولا سيّما إبرهيم وموسى، وما فعله رسول الإسلام. فيقول، مثلاً: “وكما فعل إبرهيم، خليل الله، الذي ترك الأوثان وأبناء جنسه، وتبع الله وسجد له، فصار يعلّم عن وحدانية الله للأمم، هكذا صنع أيضاً محمد، لمّا ترك سجدة الأوثان والذين كانوا يسجدون لها من بني جنسه وغيرهم من الغرباء، فأكرم فقط ذلك الذي هو وحده إله الحق، وسجد له”.

لذلك، يخلص طيموثاوس إلى الإقرار بأن محمداً قد “كرّمه الله تعالى جداً”. ويتابع متسائلاً في معرض التأكيد: “فمَن لا يمدح، أيها الملك المظفّر، ذلك الذي مدحه الله؟ ومَن لا يضفّر إكليل التمجيد والتبجيل لذاك الذي مجّده الله وبجّله؟ فذلك ومثل ذلك، أنا وجميع محبّي الله ما نقوله عن محمد”. وعندما سأله الخليفة: “لماذا إذًا لا تقبل كلام محمد؟” أجابه طيموثاوس قاطعاً: “إنّ الاعتقاد بإله واحد قد تعلّمتُه من التوراة والإنجيل، وبه أنا متمسك، ومن أجله أموت”.

وعندما يسأل المهدي طيموثاوس عن عدم قبول شهادة المسيح والإنجيل عن محمد، يجيبه البطريرك مستشهداً بآيات من الكتاب المقدّس تتنبّأ عن مجيء المسيح وليس سواه، وينهي طيموثاوس قائلاً: “لم أرَ البتة آية واحدة، في الإنجيل أو في الأنبياء وغيرهم، تشهد عن محمد وعن أعماله واسمه”.

وهنا أشار الخليفة إلى أن النصارى قد حرّفوا الإنجيل حاذفين منه كل الآيات التي تتحدّث عن مجيء محمّد. فردّ طيموثاوس عليه رافضاً هذا الاتهام بالقول: “لو وُجد ذِكر محمّد في الإنجيل، لما كنّا نرفع اسمه منه. بل كنا نقول إنه لم يأتِ بعد، بل مزمع أن يأتي. ولو وجدتُ (في الإنجيل نبوّة عن محمّد) لما تركتُ ما أعتزّ به في الدنيا، وأثاب عليه في الآخرة”.

لا بدّ من القول بأن البطريرك طيموثاوس يمثّل نموذج المؤمن المسيحي الذي ينفتح إلى أقصى درجات الانفتاح على الدين الإسلامي من دون أن يخرج عن أسس الإيمان المسيحي. فهو، وإنْ لم يعترف بنبوءة محمد، أقرّ من دون تردّد بأنّه “سلك في طريق الأنبياء”. الاختلاف لا يمنع القربى. الصراحة لا تلغي الودّ والاحترام. الاعتراف بما هو حسن عند الآخر لا يدخل في باب المجاملات واللياقات والنفاق والتلفيق.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير