الأب منتصر حداد
الموصل، الثلاثاء 30 أكتوبر 2012 (ZENIT.org). – أنت هو المسيح أبن الله الحي…. دائما مسيرة لكنيسة هي انطلاقة من الموت إلى الحياة، انطلاقة من العبودية إلى الحرية، من الظلمة إلى النور، وإلا فالطريق التي تسير بها الكنيسة لا معنى لها…. إذا هي مسيرة، مسيرة مع الرب، هذا الرب، يريدنا أحياء، لأنه هو بحد ذاته حي، انت هو المسيح ابن الله الحي، اذا يسوع هو الحي الذي تتأسس عليه الكنيسة، فتكون فعلاً حية تستقي منه وتتنفس منه الهواء الذي يبقيها حية دائما، المحبة…
ولكي تكون حياً، هذا يعني أن يكون لك مبدأ، وبالتالي، يعني أن يكون لك موقف، والذي له موقف، يعني أنه قد بصم في الحياة بصمة لن تمحى للأبد، فيكون فعلا حياً للأبد…. كثيراً ما نتملّص من قضية الأيمان….. من يقول الناس عني؟ بعضهم يقول بأنك يوحنا، وبعضهم ايليا أو أرميا أو واحد من الأنبياء…. بعضهم، أي لست أنا…. أنا لا أريد ان أعطي موقف، أريد ان اكون حراً حتى من ألهي، ولكن كيف تستطيع ان تكون حرا من الهك، هل تستطيع ان تكون حراً من الهواء الذي تتنفسه، هل تستطيع ان تصوم عن الهواء… كذلك عن الهك، لا تستطيع ان تصوم….
اذا علينا أن نبحث عن هذا الاساس الحقيقي الذي عليه أن نبني كنيستنا، أن نمتلك مبدا وندافع عن هذا المبدأ، حتى وإن كانت حياتنا هي الثمن…. قبل سنتين وقفنا منذهلين أمام مشاهد جديدة، امام مرحلة جديدة تعيشها الكنيسة، مشاهد مروعة، دماء وأشلاء، بكاء امهات ثكالى، وتيتم اطفال، وترمل نساء…. مشاهد مفزعة….. وها نحن نؤسس كنيستنا وقدسها على دماء شهود أيمان أبرياء….. كانت حادثة سيدة النجاة بداية لمرحلة جديدة تعيشها الكنيسة، وتضعها في مواجهة الحقيقة، يا كنيسة، اين انتي من يسوعك؟….
قبل سنتين من اليوم، كنا على موعد مع البشاعة والقبح، كنا على موعد مع الألم والمرارة، كنا على موعد مع سماع أخبار أليمة ومفزعة، كنا على موعد مع أحزمة ناسفة وعتاد، أمام وحوش كل همها هو البطش بالأنسان… مذبحة أخرى تضاف إلى المذابح التي عاشها المسيحيين، كنيسة بغداد تبكي على أولادها، كما بكت راحيل على أولادها…. في الماضي غطرسة واستبداد كان ضحيتها أطفال بيت لحم… واليوم غطرسة واستبداد ووحشية كان ضحيتها مصلون ابرياء في كنيسة… هؤلاء المتغطرسين، اشباه البشر، يجسّدون صورة الإنسان الذي من أجله تجسّد الله إنساناً… لينتشله من بؤسه وعنفه وشقاءه… يسوع يُطارَد ويُهَجَّر، مثلنا اليوم، نطارد ونهجّر وتُسلَب ابسط حقوقنا، الحق في ان نكون احياء… فماذا فعل الإنسان ليدافع عن حقوق الأنسان؟…
نحن كاالشجرة التي تُرمى بالحجارة وهي ترمي بالثمر لراجميها، فلنكن مثمرين على الدوام ثمار المحبة والسلام حتى وإن رُجِمنا بالحجارة… نحن المسيحيين يشهد علينا التاريخ باننا كنّا دائما مثمرين، ولكن بطش الجهل والتخلّف والتعصّب هو الذي كان يطاردنا دائما ويهجّرنا… هيرودس المعاصر يحاول قتلنا، هذا هو ظرفنا، وهذا هو واقعنا، فليكن ظرفنا هذا فرصة لنفهم الحقيقة، حقيقة إيماننا ورسالتنا المسيحية… فأين ما حللنا، فلنكن مستعدين لان نكون مثمرين، حتى ولو كان ذلك مع أعدائنا، فهذا هو مبدأ مسيحيتنا….
اليوم نؤسس ونقدس الكنيسة، نجدد العهد الذي قطعناه مع الرب، ساكون لكم الهاً وستكونون لي شعباً…. نعم يا رب، انت الهنا ونحن شعبك…. نحن شعبك الذي هو مؤمن بأن حاله لن يكون أفضل من حالك، فأنت سبقتنا إلى درب الألم، وها نحن اليوم نعيشه، وبطريقة بشعة، ولكن بقلب مملوء بالرجاء، بان كلمتك سوف تنتصر في النهاية… لان النهاية الحقيقية، يجب أن تكون سعيدة، وما دام الألم موجوداً والتعاسة موجودة، فهذا يعني ان النهاية لم تحن بعد… بالتأكيد ستكون النهاية سعيدة.. ألم يعلن أنجيلك عن سماء جديدة وارض جديدة؟…. لنصلي إلى الرب ليزرع في قلب كل متعصّب وحاقد، يزرع بذور الحب والسلام، فيصبح العالم كله شاهدا لمحبة الرب للبشر، فينظر الإنسان بحنان ورحمة تجاه اخيه الضعيف، فيكون الكل واحداً في الرب يسوع…
لو رجعنا للحقيقة، لرأينا أن من قلب المعاناة، تنبع الحرية، من قلب المعاناة يخرج الأبطال، أبونا ثائر وأبونا وسيم، كانوا ولم يزالوا من اعز الاصدقاء، والكوكبة التي مضت معهم، هم ابطال، ولدوا من جديد في احضان الرب في الملكوت، وباستشهادهم علينا أن نتشجع وناخذ القرار لنحمل كنيستنا ونقودها نحو بر الامان، وهذا لن يكون إلا إن ولدنا من جديد، الا اذا اعتبرنا الكنيسة قضية عينا أن ندافع عنها….
وها نحن اليوم ككنيسة، نعيش كما عاش مؤمنوا كنيسة سيدة النجاة، يحاول الغرباء، أيا كانوا، ان يهجروننا بأي طريقة كانت، وينغصّوا عيشتنا بشتى الطرق، وواقعنا اليوم يشهد على ذلك، نعاني اليوم طوال النهار، ولن يستطيع احد ان ينكر ما نعيشه اليوم من تحديات تهدّد وجودنا على هذه الارض، ولكن كما يقول القديس بولس: من يفصلنا عن محبة المسيح، اتفصلنا الشدة أم الجوع أم العطش أم العري…… لهذا، لنصلي، على نية شهداء المسيحية .. ولنقول للرب، إننا يا رب، نريد أن تحيا فينا ونحيا فيك، ولن يتحقق هذا إلا أن كنا شهوداً لك في كل مكان وزمان، ألى آخر يوم من حياتنا…. آمين