تابع الأب الأقدس يقول إن فعل الإيمان هو فعل شخصي، ولكنه ثمرة علاقة وحوار يتكون من إصغاء، قبول وجواب، إنه التواصل مع يسوع الذي يخرجني من الـ “أنا” المنغلق على ذاته ليفتحني على محبة الله الآب. أضاف البابا لا يمكنني أن أبني إيماني الشخصي في حوار خاص مع يسوع، لأن الإيمان يُعطى من الله من خلال جماعة مؤمنة هي الكنيسة، ويدخلني هكذا في جماعة المؤمنين في شركة ليست فقط اجتماعية، بل متجذرة في حب الله الأبدي الذي هو شركة الآب والابن والروح القدس، محبة ثالوثية. فإيماني هو في “نحن” الكنيسة.
بتلاوة قانون الإيمان، تابع البابا، نحن نعبر عن ذواتنا أولا ولكننا نعترف جماعيا بإيمان الكنيسة. وكما يعلمنا التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: “الإيمانعملٌ كنسي. إيمان الكنيسة يسبق إيماننا، ويبعثه، ويحمله، ويغذيه. الكنيسة أم جميع المؤمنين. أضاف البابا في بدايات المسيحية، عندما حل الروح القدس على التلاميذ في يوم العنصرة، نالت الكنيسة الناشئة القّوة للقيام بالرسالة الموكلة إليها من الرب القائم من الموت: بأن تنشر الإنجيل، البشرى السارة لملكوت الله، في كل أنحاء الأرض، وتقود كل إنسان للقاء به وللإيمان الذي يُخلِّص.
تابع الأب الأقدس: يخبرنا كتاب أعمال الرسل عن عظة بطرس الأولى في يوم العنصرة، فالذين سمعوها، تفطّرت قلوبهم، تابوا واعتمدوا ونالوا موهبة الروح القدس (أع 2، 37 � 41) وبدأت هكذا مسيرة الكنيسة، جماعة هي شعب الله المؤسس على العهد الجديد بدم المسيح، وأعضاؤه لا ينتمون إلى مجموعة اجتماعية أو عرقية معينة، بل هم رجال ونساء من كل أمة وثقافة “فلم يبق هناك يونانيٌّ أو يهودي، ولا ختان أو قلف، ولا أعجمي أو إسكوتي، ولا عبد أو حر، بل المسيح الذي هو كلُّ شيءٍ وفي كلِّ شيء” (قو 3، 11). فالكنيسة إذا ومنذ بدايتها هي مكان الإيمان، مكان نقل الإيمان، والمكان الذي به وبواسطة العماد نغوص في السرّ الفصحي لموت وقيامة المسيح الذي يحررنا من سجن الخطيئة، يعطينا حرية الأبناء ويدخلنا في شركة مع الله الثالوث.
أضاف البابا أن نواة الإعلان الأساسية هي حدث موت وقيامة الرب، الذي منه ينبثق إرث الإيمان بكامله، كما يؤكد لنا المجمع الفاتيكاني الثاني: “وعليه كان من المفروض أن تُصان الكرازة الرسولية المعبر عنها بصورة خاصة في الكتب المنزلة، وذلك بواسطة تسلسل غير منقطع حتى انقضاء الدهر”(دستور عقائدي في الوحي الإلهي عدد8) بهذا الشكل، إذا كان الكتاب المقدس يحتوي على كلمة الله، فتقليد الكنيسة يحافظ عليها وينقلها بأمانة، ليتمكن أناس كل زمن من الولوج إلى ثرواتها الهائلة والاغتناء من كنوز نعمتها، وهكذا فان الكنيسة “بتعليمها وحياتها وطقوسها، تخلد وتنقل للأجيال بأسرها كل ما هي عليه وكل ما نؤمن به” (دستور عقائدي في الوحي الإلهي عدد8).
ختم البابا بندكتس السادس عشر تعليمه الأسبوعي بالقول نحن بحاجة للكنيسة لنثبِّت إيماننا ولنختبر عطايا الله: كلمته، الأسرار، عضد النعمة وشهادة المحبة، فيتمكن عندها الـ “أنا” من إدراك ذاته في “نحن” الكنيسة. ففي عالم يبدو فيه أن الفردانية تنظم العلاقات بين الأشخاص جاعلة إياها أكثر هشاشة، يدعونا الإيمان لنكون كنيسة، حاملي محبة وشركة الله إلى كل الجنس البشري.