الأردن، الخميس 25 أكتوبر 2012 (ZENIT.org). - تدعونا الكنيسة الى عيش سنة، نتأمل ونراجع ونتعمق فيها، بالايمان الذي نحمل في قلوبنا وعقولنا نحن أبناء المسيح الحي، في هذه الارض التي ولد فيها وانطلق منها ايماننا الذي نعلنه بافتخار. في الناصرة وبيت لحم، في أريحا ونهر الاردن، في بحيرة طبريا وكفرناحوم، في بيت عنيا والقدس... تجسد وعاش وعلم وعمل ومات وقام الفادي والمعلم والراعي الصالح يسوع المسيح، رأس إيماننا ومتمّمه (عبرانيين 12/2). لذلك نحن مدعوون مع أبناء الكنيسة جمعاء للدخول في العمق بناءً على طلب المعلم وقوله (لوقا 5/4)، نبحث في بحر ايماننا لعلنا نصطاد مع "المعلم"، ما لم نقدر على اصطياده لوحدنا. ولذلك هي:
سنةٌ للعودة الى الجذور، والى قلب الارض حول "تينة ايماننا" (لوقا 13/6-9)، والى تقليمها وتسميدها والعناية بها، لتتجدد وتعطي ثمراً ينشهده المعلم إذ يمر جائعاً يطلب ثمراً، وحبذا أن يجد، وإلا "فاللعنة واليَبَسْ!" (متى 21/18-22).
سنةُ مراجعة من استلم "وزنة الايمان" لذاته امام سيده ومانحه نعمة الايمان. ماذا فَعَلتْ؟ تاجرتَ بها ورَبحتْ!؟ أم دفنتها لأنك خِفتْ!؟ هل يستحق المديح؟ "أحسنت أيها الخادم الصالح الأمين! كنت أميناً على القليل، سأقيمك على الكثير: أدخل نعيم سيِّدك"... أم يستحق التأنيب؟ " أيها الخادم الشرير الكسلان!" (متى 25/14-30).
سنةٌ للتساؤل واعطاء الجواب، من المسيح بالنسبة اليك؟ "مَنْ أنا في قول الناس؟" والأهم، "مَنْ أنا في قولكم أنتم؟" في قولك أنت؟ أهو ايليا او أحد الانبياء الذين سمعت عنهم؟ أم هو المسيح ابن الله الحي فيك!؟ (مرقس 8/27-30) وهو ذاك "الحيّ" الذي سمعته وتسمعه، ورأيته وتراه، وتأملت وتتأمل به، ولمسته وتلمسه، واختبرته وتختبره، وشهدت وتشهد له، وبشرت وتبشر به؟ (1يوحنا 1/1-4)
سنةٌ للشفاء من العمى الذي من الممكن، انه قد أصابنا، وأجبرنا على الجلوس على جانب الطريق نستعطي. انها فرصة ثمينة للصراخ بأعلى الصوت عندما وحيثما يمر يسوع الناصري: "رحماك يا يسوع يا ابن داؤود! يا رب أريد أن أبصر". وما أجمل الجواب وأعظم الهبة، عندما يستجيب المعلم لندائك وطلبك ويقول لك: "أبصر إيمانك خلصك!" وكم سيكون فرح "المعلم الشافي" بك كبيراً بعد إبصارك، أن تتبعه وانت تمجد الله! (لوقا 18/35-43)
سنةٌ للبحث عن رؤية يسوع بالرغم من قصر قامتنا. فيسوع يكافئ رغبتنا بالصعود الى الشجرة لرؤيته، برغبته هو في أن يُقيم في بيت حياتنا. كما ويكافئ توبتنا الصادقة، بأن يحقق الخلاص لنفوسنا، "فابن الانسان جاء يبحث عن الهالك ليخلصه"(لوقا 19/1-10).
سنةٌ لشكر الله، فالرب لا ولم ولن يبخل علينا بنِعَمِه وشفاءاته. لا تكن من المقرّبين الذين يُعطَون ويُشفَون ويمضون في سبيلهم. بل في هذه السنة، عُدّ مثل ذاك السامري الغريب، "واسقط على وجهك عند قدمَي يسوع واشكره ومجد الله بأعلى صوتك" (لوقا 17/11-19).
سنةٌ لتقوية الايمان وتعزيز الثقة بذاك الرب الذي يأتي إلينا ماشيا على البحر، ويدعونا الى السير مثله ونحوه وإليه. ويَمدُّ يَدَه لتُمسك يَدَنا وينتشلنا من غرق سبَّبَه شَكّنا وقِلة إيماننا (متى 14/22-33).
سنةٌ تنطلق في شهر تشرين الأول 2012 وتنتهي في شهر تشربن الأول 2013. إنه شهر شجرة الزيتون المباركة التي تزين تربة بلادنا التي وطأتها قدما الرب وقدستها. إنه شهر قطف ثمر شجرة الزيتون، وتذوق زيتها الصافي رائع المذاق. وما اجمل هذه الصدفة، أن نتأمل في ايماننا ونحن نتامل في زيتوننا.
إيماننا المسيحي يتجذر في هذه الارض وفي قلوبنا كما تتجذر شجرة الزيتون. وكما هي شجرة الزيتون في حاجة الى المياه لتحيا وتنمو، وعلى غزارة تلك المياه التي يرزقنا بها الله سنوياً، يعتمد جودة وغزارة الموسم ووفرة ثمره، كذلك ولد ونال ايماننا الحياة في جرن مياه المعمودية المقدسة، وعلى قوة وغزارة مياه نِعَمِ الروح القدس التي ترويه وتغذيه، يعتمد ايماننا في غزارة وجودة ثمره. وكما أن شجرة الزيتون بحاجة الى نعمة الله "المطر"، كذلك هي بحاجة الى جهد الانسان وعمل يديّه، فهي بحاجة لأن تُقْلَب الارض من حولها وتُحْرَث، وتُسمّد، وتُقلم ويُعْتَنى بها، وهكذا هو ايماننا بحاجة الى نعمة الله وجهد الانسان، لكي تُحْرَث أرضه وتُقْلَب تربته، ليستدفئ ويتشبع من نور المسيح "شمس البر"، ويتنسم هواء روح الله القدوس، ويُقلَّم ويُسمّد ويعتنى به بقوة وفعل كلمة الله وأسراره المقدسة. وكما أن في زيت الزيتون غذاءً وقوّةً لجسدنا، كذلك زيت روح الله القدوس الذي مُسِحْنا به بسرّ الميرون، يُغذّي، ويُقوّي روحنا ويُرسّخ ايماننا. وكما أن الزيتون يزهو بنضارة وخضرة ورقه على مدار السنة وخلال مدة حياته، كذلك نحن المسيحيين مدعوين أن نجعل ايماننا يزهو من خلال سيرة حياتنا وسلوكنا اليومي بالنضارة والخضرة. وكما أن غصن الزيتون في فم الحمامة بعد الطوفان (تكوين 8/11) غدا رمزاً للسلام، كذلك الايمان، هو أكثر من رمز، إنه مصدر سلام قلوبنا وراحة نفوسنا. وكما أن زيت الزيتون ثمين ويجب ان يحفظ بعناية واهتمام، كذلك هو ايماننا يجب أن نحافظ عليه بعناية واهتمام، لأنه "كنز نحمله في آنيةٍ من خزف، لتكون تلك القدرة الفائقة لله لا من عندنا" (2قورنتس 4/7).
زيتون حيٌّ متجدد، وايمانٌ حيٌّ متجدد.