حلب، الأربعاء 12 ديسمبر 2012 (ZENIT.org). – لقد دخلت سورية منذ آذار/2011 م في دوامة الصراع الدموي، وفي كل زمن، يوصف هذا الصراع في الإعلامَين العربي والغربي بأوصاف أكثرها غير صحيح. فمن صراع داخلي بين المعارضة والنظام، إلى صراع بين المعارضة والموالاة، وإلى من ذهب أبعد من ذلك، فقال : أن الصراع على سورية من قِبَل دول مجاورة أو بعيدة، يحقق أهدافاً مجهولة، أقل ما يقال فيها، إن هذا الصراع هو من أجل تغيير الفكر والمصير في سورية، والإعداد لمرحلة جديدة يتم فيها التغيير في كل شيء، لتحقيق أهداف النظام العالمي الجديد، الذي بشّروا به العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وربط بعضُهم ما يجري على أرض سورية، مع ما يعرف بـ : الربيع العربي، الذي أكل الأخضر واليابس في دول أخرى عربية، وذلك منذ العقد الرابع من القرن الماضي، وما يزال هذا الربيع العربي يتخبط في شتاء قاس جداً، لا أحد يعرف نتائجه إلا الله وحده.
الملاحظة الأولى في هذا الصراع الدموي في سورية هو أن السوريين من كل الانتماءات، فقدوا كل أمل في عودة الأمن والأمان والاستقرار إلى وطنهم. وهم لا يثقون بكل المبادرات المغلّفة بالفشل، قبل الولادة. ويوماً بعد يوم يُعانون الأمرّين، فالغني هرب إلى دول قريبة أو بعيدة يتمتع بما وهبه الله من خيرات للناس، والمتمكن في الوطن أمّن على ما يحتاج إليه من أهم متطلبات الحياة، من غذاء، وكهرباء، وماء، ووقود، والاتصالات بكل أنواعها، والسماسرة وجدوها فرصة للانقضاض على الإنسان، الفريسة الضعيفة، لينهكوا قواه، ويجعلوه جثة هامدة وهو حي !! أما الأغلبية الساحقة من المواطنين فأنهم مسحوقون وضحايا الفوضى، والفساد، وعدم المسؤولية، وطعمة للقصف، والقمع، والنهب، والخطف، والقتل، ولغة التهديد والوعيد، وليس من يستطيع أن يحمي كرامة الإنسان، أو أن يُعالج الأخطاء التي تتكرر كل ساعة في ساحة الوطن، أو يُحاسب ويُحاكم المقصِّرين بواجباتهم، وأصبح عددهم كبيراً جداً، فإذا فقد الإنسان ثقته بالوطن، من سيَحميه من الطامعين والطامحين بزجِّه في أتون النار ؟ مَن هو الأولى من المواطن في أن يقف سداً منيعاً أمام أي نوع من التدهور الذي سيقضي على أغلى ما نملكه في حياتنا وهو الوطن ؟!
ولكن كيف للمواطن أن يَدحَرَ العدوَ الشرس الآتي من هنا وهناك، إذا كان هو بالذات محارباً في عقر داره ؟ مَن يصدِّق أن حلب؛ عاصمة الشمال، وأهم مركز صناعي وتجاري وسياحي في سورية، تبقى بدون كهرباء، وغاز، وماء، ووقود، واتصالات، وغذاء ؟ وأهم من كل شيء : تفتقر إلى الخبز اليومي الذي هو أساس الوجبات الثلاث في معظم العائلات، ولمدة أسبوع كامل !! هل يَعرف العالم أن طوابير المواطنين تقف أمام الأفران، تنتظر دورها لساعات، حتى تعود إلى حيث هي، ومعها ربطة واحدة من الخبز ؟!
كيف يرضى الضميرُ الإنساني أن يرى ملايين من البشر في حلب، المدينة المأهولة الأقدم في العالم، وقد أصبحت شبيهة بمدينة الأشباح، أو الأموات، لأن سكانَها يموتون ببطء ؟ ويتوقون إلى ساعات الأمن والأمان والراحة ؟ ألا يلتفت الضمير الإنساني إلى المحتاجين والفقراء والمعوزين الذين لا عون لهم إلا الله وحده وهم يموتون جوعاً وعطشاً ؟ ألا يتطلع العالم إلى أطفال حلب، وشيوخها، وأراملها، الذين ينادون ليل نهار، وبأصوات حزينة انقذونا يا أخوتنا في الإنسانية ؟ ألا يرى المسؤولون في المحافظة أن حلب تحتضر ساعة بعد ساعة، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، رغم أنه تقرر وضعها في غرفة الإنعاش، ولكن حتى الأوكسجين ليس متوفراً ؟
لقد دُمِّرت البنية التحتية في المدينة، وكل شيء أصبح قابلاً للفساد والخراب، حتى الحركة في المدينة أصبحت ممقوتة ومستهجنة، لأن المواطن قد يتعرض للإهانة في أي وقت كان، وطريق مطارها محفوف بالمخاطر. كل شيء في مدينة الحمدانيين قد أخذ منحىً آخر.. فأسواق حلب محروقة، ومدارسها وجامعاتها معطلة، وكنائسها وجوامعها حزينة !
والأهم من هذا وذاك، أن صوتاً واحداً بقي مرتفعاً، وهو صوت السلاح المتعدد والمتنوع، الذي هو سيد الموقف في مدينة يتجاوز عدد سكانها الثلاثة ملايين، وينبئ الأهالي بعدم النوم ليلاً !
هل يتحرك الضمير الإنساني ويوقف حمامات الدم في أحياء حلب ؟ وتتطوع فرق الإنقاذ من أجل سلامة الإنسان الذي يئن تحت وطأة الآلام ؟ ونعود نبني مدينتنا ووطننا بسواعدنا، ونعيد إليها الجمال والأمان كما كانت قبل الأحداث الأليمة ؟
نرجو أن يكون ذلك، وإلى الله العلي القدير الرحمن الرحيم نتوجه ونقول :
يا رب ارحم.