احتفل البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الثلاثاء الأول من كانون الثاني 2012 بقداس إلهي في البازيليك الفاتيكانية بمناسبة عيد مريم الكلية القداسة أم الله، وأيضًا بمناسبة اليوم العالمي السادس والأربعين للسلام، والذي أصدر الحبر الأعظم للتعمق في معناه رسالة بعنوان: “طوبى لصانعي السلام”.
رغم أن عالمنا موسوم بالتوتر والمناهضة التي تنجم عن الاختلاف بين الأغنياء والفقراء، ومن سيطرة العقلانية الأنانية والفردانية، ومن تفشي الإرهاب والإجرام، فقد عبّر الأب الأقدس عن قناعته بأن “مختلف أعمال السلام، التي تغني العالم، تشهد لدعوة البشرية إلى السلام”.
وشرح بأن التوق إلى السلام هو توق بشري جوهري ويتطابق مع الرغبة بحياة إنسانية مليئة، سعيدة ومحققة. فالإنسان “مخلوق من أجل السلام الذي هو هبة الله”.
وأوضح قداسته بأن هذه الدعوة الجوهرية التجذرة في الإنسان هي التي دفعته لاختيار موضوع رسالة هذا العالم المستوحاة من التطويبات الإنجيلية: “طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون” (مت 5، 9). هذه التطويبة تبين لنا أن السلام هو “هبة مسيحانية وعمل بشري في آن… إنها سلام مع الله، من خلال العيش بحسب إرادته. وهي سلام باطني مع الذات، وسلام خارجي مع القريب ومع كل الخليقة”.
السلام ينبع من الداخل
وتساءل الأب الأقدس عن مصدر السلام، ودعا المؤمنين إلى توجيه أنظارهم إلى قراءات قداس اليوم لإيجاد الجواب في كلمة الله. فقراءات اليوم، وبشكل خاص إنجيل القديس لوقا، يحثنا على التأمل بسلام مريم العذراء أم يسوع، الذي هو سلام باطني. فالخبرات الصعبة التي عاشتها مريم، لم تحبط سلامها الداخلي ولم تبدده. مريم العذراء كانت تتأمل كل الأمور في قلبها وتحفظها في ذاكرتها متبحرة بهدوء وسكينة. واعتبر بندكتس السادس عشر أن هذا هو السلام الذي يجب أن نتوق إليه في وسط أحداث التاريخ الصاخبة والمضطربة.
السلام هبة من الله
والقراءة الأولى من سفر العدد تشرح لنا أن السلام هو ثمرة عمل الله في حياة الإنسان. في هذه البركة يردد الكاهن اللاوي اسم الله ثلاث مرات، وفي كل مرة يربط الاسم بعمل يقوم به الله لصالح الإنسان: “يباركك الرب ويحفظك، ويضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك، ويرفع الرب وجهه نحوك. ويمنحك السلام!”. السلام إذا هو الثمرة التي تنتج عما يفعله الله لصالحنا عندما يلتفت بنور وجهه نحونا.
وتابع البابا: “بالنسبة للكتاب المقدس، تأمل وجه الله هو ملء السعادة”. من خلال التأمل بوجه الله يحوز الإنسان أمانًا وسلامًا. وجوابًا على السؤال: “ما معنى أن نتأمل وجه الرب؟” أجاب بندكتس السادس عشر: “يعني أن نتعرف إليه مباشرة، بمقدار ما يكون ذلك ممكنًا في هذه الحياة، بواسطة يسوع المسيح، الذي اعتلن الله فيه.
وعليه، لخص البابا كلامه بالقول: “هذه هي ركيزة سلامنا: ضمانة تأملنا بوجه الله الآب في يسوع المسيح، وكياننا كأبناء في الابن، لكي نختبر، في مسيرة حياتنا، الضمانة عينها التي يعيشها الطفل عندما يكون في حضن آب صالح وضابط الكل”.