استهل الأب الأقدس خطابه موجها التحية للسفراء، وخاصا بالذكر عميد السلك الدبلوماسي السفير أليخاندرو لانسا ونائبه السفير جان كلود ميشيل. ولفت إلى أن حضور السفراء يشكل علامة ملموسة على العلاقات المثمرة التي تقيمها الكنيسة الكاثوليكية مع السلطات المدنية في أنحاء العالم كافة. وذكّر بأن الكنيسة ومنذ نشأتها تعانق الكون بأسره، ومعه كل الشعوب والثقافات والتقاليد. وأشار قداسته إلى أن الكنيسة وقّعت خلال العام الماضي على اتفاقات ثنائية مع كل من بورودني وغينيا الاستوائية وأبرمت اتفاقية أخرى مع مونتينيغرو، كما أنها تشارك في أعمال مختلف المنظمات والوكالات الدولية.
أكد البابا أن الزيارات التي قام بها رؤساء الدول والحكومات إلى الفاتيكان خلال العام 2012 فضلا عن الزيارات الرسولية التي قادته إلى المكسيك، كوبا ولبنان شكلت فرصة للتشديد على التزام مسيحيي تلك الدول في الحقل المدني، ناهيك عن تعزيز كرامة الشخص البشري وإرساء أسس السلام. وتذكر في كلمته السفير البابوي السابق في شاطئ العاج المطران أمبروز مادتا، الذي توفاه الله على أثر حادث سير لشهر خلا.
تابع الحبر الأعظم خطابه قائلا يبدو لنا اليوم أن الحقيقة والعدالة والسلام تشكل هدفا يصعب بلوغه كما تبدو معرفة الحقيقة أمرا مستحيلا فيما يقتصر أحيانا البحث عن السلام على التوصل إلى تنازلات تضمن التعايش بين الشعوب أو بين المواطنين داخل الأمة الواحدة. وذكّر البابا الحاضرين بأنه من وجهة النظر المسيحية هناك ترابط بين تمجيد الله والسلام للبشر على هذه الأرض مؤكدا أن نسيان الله يولّد العنف زد إلى ذلك عدم التعرف على وجه الله الحقيقي وهو سبب نمو التطرف والتعصب الديني اللذين حصدا ضحايا بريئة خلال العام 2012.
ولفت بندكتس السادس عشر إلى أن السلام هو عطية من عند الله وعلى الإنسان أن يعرف كيف يقبل هذه الهبة، ومن هذا المنطلق شاء البابا أن يتمحور موضوع رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام 2013 حول موضوع “طوبى لصانعي السلام”. وأكد قداسته أن السلطات المدنية مدعوة بالدرجة الأولى إلى العمل من أجل السلام لكونها مدعوة إلى إيجاد حلول للصراعات العديدة التي تُدمي البشرية، بدءا من منطقة الشرق الأوسط.
مضى البابا إلى القول: أفكر قبل كل شيء بسورية التي تشهد مجازر عدة وتشكل مسرحا لآلام جمة وسط السكان المدنيين. أجدد ندائي كيما تُلقى الأسلحة جانبا، ويُقام حوار بنّاء يضع حدا لهذا الصراع الذي ـ وإذا استمر ـ لن ينتصر فيه أحد بل سيكون الجميع مهزوما، ليترك النزاع وراءه دمارا كبيرا. وحث البابا ضيوفه على أن تعمل حكوماتهم على تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية لضحايا النزاع السوري.
تابع بندكتس السادس عشر كلمته قائلا: أوجه نظري بانتباه كبير إلى الأرض المقدسة. على أثر الإقرار بحضور فلسطين في منظمة الأمم المتحدة كمراقب غير عضو أعرب مجددا عن أملي بأن يلتزم الإسرائيليون والفلسطينيون ـ وبدعم من الجماعة الدولية ـ في البحث عن التعايش السلمي في إطار دولتين سيدتين تُحترم فيهما العدالة والتطلعات المشروعة للشعبين. وتمنى البابا أن تكون القدس ـ أورشليم ـ “مدينة السلام” كما يدل اسمها، لا مدينة الانقسام.
بعدها تذكر الأب الأقدس الشعب العراقي وأمل أن يسير في درب المصالحة للتوصل إلى الاستقرار المرجو. وفي لبنان ـ تابع البابا يقول ـ حيث التقيت خلال شهر أيلول سبتمبر مختلف أطياف الواقع اللبناني ـ أتمنى أن تشكل تعددية التقاليد الدينية مصدر غنى بالنسبة للبلاد والمنطقة بأسرها، وآمل أن يقدم المسيحيون شهادة فاعلة من أجل بناء مستقبل سلام مع جميع الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة.
وفيما يتعلق بالوضع في أفريقيا الشمالية شدد الأب الأقدس على ضرورة تعاون فئات المجتمع كافة وأن يتم ضمان حقوق المواطنة للجميع بالإضافة إلى حرية ممارسة الشعائر الدينية والمشاركة في بناء الخير العام. وعبّر عن قربه من جميع المصريين خلال هذه المرحلة التي تشهد تشكيل مؤسسات جديدة.
بعدها تمنى البابا أن تنعم منطقة القرن الأفريقي، لاسيما جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالأمن والسلام ثم أشار إلى الاعتداءات التي غالبا ما تستهدف الجماعات المسيحية في نيجيريا، وقال إنه أصيب بالألم الشديد عندما علم أنه حتى خلال الاحتفال بعيد الميلاد لم توفر الهجمات البربرية الضحايا الأبرياء. هذا وأمل البابا أن تتكلل بالنجاح المحادثات الهادفة إلى تطبيع الأوضاع في جمهورية أفريقيا الوسطى.
تابع الحبر الأعظم خطابه مؤكدا أن التربية هي الطريق الأنسب التي تؤدي إلى بناء السلام، خصوصا وأنها تعني قادة الغد الذين سيتربعون يوما على رأس المؤسسات العامة الوطنية والدولية. كما شدد على ضرورة أن تساهم التربية في مكافحة الفقر لاسيما في أفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الختام ذكّر البابا بأن السلام الاجتماعي معرض للخطر اليوم إزاء التعدي على الحريات الدينية الذي يتراوح بين تهميش الدين، وحالات انعدام التسامح والعنف أحيانا، مؤكدا ضرورة العمل على بناء السلام من خلال الحوار وأشار على سبيل المثال إلى الحوار الذي تمخض عنه التعايش السلمي في الفيليبين، خصوصا في منطقة مينداناو.
ختاما حيا البابا أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي ومعاونيهم وعائلاتهم وتمنى للكل عاما سعيدا.