تابع الأب الأقدس يقول: لقد ترددت في كنائسنا، في هذه الأيام، عبارة “تجسُّد” الله، للتعبير عن الحقيقة التي نحتفل بها في الميلاد المقدس: ابن الله صار إنسانا. ولكن ما معنى هذه العبارة الأساسية للإيمان المسيحي؟ لقد استعمل القديس اغناطيوس الإنطاكي ولاسيما القديس إيريناوس هذه العبارة في تأملهما حول مقدمة إنجيل القديس يوحنا، وخصوصا حول عبارة: “الكلمة صار جسداً” (يوحنا 1، 14). فكلمة “جسد” بحسب اللغة العبرية تعني الإنسان بشموليته، وبهذا نفهم أن الخلاص الذي حققه الله المتجسد بيسوع الناصري يلمس الإنسان في حقيقته الملموسة وفي كلّ مكان. فالله أتخذ الطبيعة البشرية ليشفيها من كل ما يفصلها عنه وليسمح لنا أن ندعوه، بابنه الوحيد، “أبا أيها الآب” ونكون حقا أبناء الله.
أضاف البابا يقول: “الكلمة صار جسداً” إنها إحدى الحقائق التي اعتدنا عليها لدرجة أنها لم تعد تؤثر بنا عظمة الحدث الذي تدل عليه، لكنه حدث يمكن فقط لله أن يصنعه ويمكننا أن ندخله فقط بالإيمان. فالكلمة الذي كان لدى الله، والكلمة الذي هو الله وخالق العالم، الذي به خُلِقَ كلّ شيء، صار بشراً وسكن بيننا. يؤكد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أن: “ابن الله… قد اشتغل بيدي إنسانٍ وفكر كما يُفكر الإنسان وعمل بإرادة إنسانٍ وأحبَّ بقلبِ الإنسان. لقد وُلِدَ من العذراء مريم وصار حقاً واحداً منا شبيهاً بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة” (الدستور الرعائي في “الكنيسة في عالم اليوم”، عدد 22). لذا من الأهمية بمكان أن نستعيد الذهول أمام هذا السرّ، وأن نسمح لعظمة هذا الحدث أن تغمرنا: فالله الحقيقي الخالق كل شيء قد مشى دروبنا كإنسان، ودخل زمن الإنسان، ليشاركنا بحياته.
تابع الحبر الأعظم يقول: في الصلاة على القرابين التي نتلوها في قداس الليل في عيد الميلاد تصلي الكنيسة: “نسألك يا رب، أن ترتضي قرابيننا ليلة هذا العيد المجيد، كي نصير بفضل تبادل مقدّس على صورة المسيح الذي تجسّد وسما بالإنسان إليك.” تتمحور الليتورجية حول التبادل وترجعنا إلى عطيّة الميلاد الأساسية: ففي تلك الليلة المقدسة، وبتجسّده، أراد الله أن يصبح عطية للبشر، فوهبنا ذاته، وأخذ بشريتنا ليمنحنا إلوهيته. هذه هي العطية الكبرى. فسرّ التجسد يؤكد أن الله وهب ذاته بابنه الوحيد، وبهذه العطية نجد مثال لعطائنا فتقود المجانية والحب علاقاتنا، ولاسيما المهمة منها. الله الذي صار إنسانا مثلنا، يظهر لنا عظمة واقع الحب الإلهي، فعمل الله لا يقتصر على الكلام بل يغوص في تاريخنا ويحمل على عاتقه تعب الحياة البشرية وثقلها. وأضاف البابا إن طريقة عمل الله هذه هي دافع لنتساءل حول حقيقة إيماننا، الذي لا يجب أن يحدّه الشعور والعواطف، وإنما يجب أن يلمس حياتنا اليومية ويوجهها.
تابع الأب الأقدس يقول: يؤكد القديس يوحنا أن “الكلمة كان منذ البدء لدى الله، وبه كان كل شيء وبدونه ما كان شيء مما كان” (يوحنا 1، 1- 3). وبهذا يلمح الإنجيلي بوضوح إلى قصة الخلق التي نجدها في بداية سفر التكوين ويعيد قراءتها في ضوء المسيح. فالكلمة نفسه الذي كان منذ البدء لدى الله والذي هو الله و”فيه خلق كل شيء” (قول 1، 16) صار بشراً: الله الأزلي اللامتناهي غاص في الضعف البشري ليعيد إليه الإنسان والخليقة بأسرها. فبتجسد ابن الله حدث خلق جديد، فبيسوع فقط يظهر بشكل كامل مشروع الله للكائن البشري، كما يؤكد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: ” بالحقيقة لا تُلقى الأضواء الحقّة علىسر الإنسان إلا من خلالِ سر الكلمة المتجسد. فالمسيح، آدم الجديد، يكشف لنا عن سرِّ الآب وعن محبتِهِ، ويبيِّنُ للإنسان ما هو عليه بالذات كاشفاً له عنسموّ دعوته”(الدستور الرعائي في “الكنيسة في عالم اليوم”، عدد 22).
وختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: أصدقائي الأعزاء، لنتأمل في هذه المرحلة عظمة وروعة غنى سرّ التجسّد فنسمح للرب أن ينيرنا ويحولنا أكثر فأكثر إلى صورة ابنه الذي تجسد من أجلنا.