من أجل مسار مشترك
في هذا الصدد، أودّ فقط أن أشير إلى شرط لا يمكن برأيي إغفاله في هذا المسار الشاقّ حقًّا، لا بل هو غير قابل للتأجيل.
إنّ تعليم “كرامة الإنسان” المتّصل بِـ “بداية الحريّة” التي دُشِّنت إيجابيًّا في مرسوم عام 313 يؤكّدان على أنّ الانتماء إلى الحقّ ممكن فقط بشكل طوعيّ وشخصيّ وعلى أنّ الإكراه الخارجيّ يتعارض وطبيعته. فالآن، بعد اكتساب هذه المعطيات، يجب الاعتراف بأنّ هذا الشرط المزدوج يبقى غالبًا غيرَ ممكن التحقيق على أرض الواقع. لماذا؟ لأنّه لا يتمّ في الوقت نفسه متابعة «ذاك الواجب (وبالتالي ذلك الحقّ) في البحث عن الحقيقة» (كرامة الإنسان 3) الذي ينزع عن كلّ تأكيدٍ صحيح للحريّة الدينيّة الشكَّ في ألا تكون سوى اسمًا آخر للاّتفريقيّة الدينيّة. فهي تفرض نفسها، على الأقلّ من الناحية العمليّة وفي الظرف التاريخيّ الحاليّ الصعب، كرؤية عالميّة محدّدة تميل بشكلٍ متزايد إلى ترجيح هيمنة رؤية معيّنة (واحدة) للعالم على الرؤى الأخرى.
ماذا يمكننا القول حول هذا الموضوع أمام اعتراض أولئك الذين لا يقومون بواجبِ تطلُّب الحقيقة لاعتناقها؟ يجب أوّلاً التأكيد من جديد على أنّ هذا الاعتراض يبقى على أيّ حال خيارَ رؤيةٍ للعالم له حقّ المواطنة في مجتمع تعدّدي، ولكن لا يمكن الأخذ به خلسةً كأساسٍ للاطائفيّة الدولة.
ومع ذلك تبقى أكثر حسمًا منه الدعوةُ الحرّة الموجّهة إليهم للتفكير بمضمون هذا الواجب.
لقد تمكّن القديس أغسطينوس (المولود في الجزائر عام 354)، تلك العبقريّة المعبِّرة عن القلق الإنسانيّ، من كشف هذا السرَّ، كما يذكِّرنا البابا بنديكتوس السادس عشر: «لسنا نحن مَن نملك الحقيقة بعد البحث عنها، بل الحقيقة هي التي تبحث عنا وتمتلكنا»[1]. بهذا المعنى، إنّها الحقيقة نفسها، من خلال ملء معنى العلاقات وظروف الحياة التي بطلُها كلُّ إنسان، هي التي تطرح نفسها كـ “حالة جديّة” للوجود الإنسانيّ والتعايش البشريّ. تبرز الحقيقة التي تبحث عنّا في توقنا الذي لا يمكن كبته والذي يميّز الإنسان: «بمَ يرغب الإنسان سوى الحقيقة؟» 7. ويحترم هذا التوق حريّة الجميع، حتّى حريّة من يعتبر نفسه لاأدريًّا، لامباليًا أو ملحدًا. وإلا لكانت الحريّة الدينيّة كلمة جوفاء.
[1] بنديكتوس السادس عشر، المقابلة العامّة، 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
7 أغسطينوس، «?Quid enim fortius desiderat anima quam veritatem»، تعليق على إنجيل القديس يوحنّا 26, 5.