بداية الإحتفال دخل صاحب الغبطة الى كنيسة جميع القديسين في المركز على وقع معزوفة دينية عزفتها ترحيبا فرقة الموسيقى في قوى الامن الداخلي، فرفع الصلاة داخلها ليتوجه بعدها الى المتحف ويبارك اقسامه الأربعة عشر التي تلقي الضوء على حقبات عدة من تاريخ لبنان أبرزها الحضارة الفينيقية والرومانية مرورا بالحقبة الإسلامية والعثمانية وصولا الى صالة بداية القرن العشرين. وقد جهّزت مؤسسة سمعان الخازن الإهدني المتحف بكل الآثار والمخطوطات التي تعود الى هذه الحقبات إضافة الى اقسام تخص شخصيات دينية وإجتماعية تاريخية من لبنان.
وألقى أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان كلمة رحّب فيها بصاحب الغبطة والوفد المرافق والحضور شاكرا لغبطته تلبية الدعوة التي اعتبرها تثبيتا لشعار الشركة والشهادة والمحبة لتنشئة الأجيال الطالعة والعمل على نموها بالنعمة والحكمة والعلم. وأشار الى ان العلاقة التي تربط المانة العامة بالمتحف اللبناني ترتكز على ما تدعو اليه الكنيسة من خلال الحضور في كل نشاط انساني ليدوم لبنان ساحة للحوار بين الثقافات والحضارات ولتكون مؤسسات الكنيسة في خدمة هذا النشاط. وكانت المبادرة للتعاون مع مؤسسة سمعان الإهدني لتسهيل لتلامذة المدارس امكانية التعرف على بعض من ماضي لبنان العريق وعلى حضارات سادت ثم بادت. وأضاف “هذا ما دعوتم اليه غبطتكم في رسالتكم العامة الأولى عندما قلتم ان شعبنا متجذر في ارضه يقاوم الحاجة الى بيعها واغراءات الشراء فهو مدرك ان الأرض التي يملكها هي مرتكز وجوده في وطنه، عليها كتب تاريخه ومنها اتخذ هويتهوعليها ادى رسالته والرض ام تحتضنه وتربيه على القيم فبيعها خيانة لها ولما تمثله.”
بدوره إعتبر الأب انطوان ضو الخبير المجمعي وأمين عام لجنة الحوار الإسلامي المسيحي في كلمة القاها ان صاحب الغبطة هو بمثابة منارة على جبل يخرج من ذخائره جددا وقدماء. وثمن مباركة غبطته وافتتاحه للمتحف الذي انشئ من اجل معرفة تاريخ لبنان عبر العصور. وقال”قرأت رسالتكم العامة الاولى، “شركة ومحبة”، وفيها عن استحداث مكاتب ثمانية في بكركي، بينها مكتب التراث والممتلكات الثقافية الذي يُعنى بالارشيف والمكتبة المركزية والمتحف لابراز معالم الكرسي البطريركية المارونية عبر التاريخ.
من وحي هذه الرسالة العامة الاولى، وطاعةً لارشاداتكم، قمنا بتأسيس هذا المتحف مؤمنين بأهمية المتحف البطريركي والوطني، الّا أنه على ضوء معايير العلم الحديث، نبقى بحاجة الى اقامة متاحف متخصصة وموزّعة في أماكن ومناطق عدّة من اجل المحافظةعلى التراث في بيئته الطبيعية، وتشجيع السياحة الدينية، والتكامل بين الخاص والعام، الى الدعوة الملحّة لكتابة تاريخ لبنان بروح علمي ووطني.
كما نفيد غبطتكم بمناسبة هذا الحدث الثقافي الوطني الكبير أننا أنشأنا، بالتعاون مع “مؤسسة البطريرك نصرالله صفير” متحفًا جديدًا للبطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير في مسقطه ريفون – كسروان. هذا المشروع سيبلغ التمام قريبًا بمباركة غبطتكم وافتتاح نيافتكم يا بطريرك الوفاء والمحبة الدي سمّيت سلفك البطريرك الدائم، وأنت تحوطه بكل احترام وإكرام في شيخوخته.
بدوره رحب صاحب الغبطة بالحضور شاكرا كل من ساهم وعمل لإنشاء هذا المتحف ومثمنا خطوة إدراجه ضمن المنهج الرسمي لمادة التاريخ وتسجيله ضمن الفئة الولى في جمعية المتاحف العالمية. وقال:” ان اهمية المتحف تكمن في معرفة الماضي لحسن عيش الحاضر والتخطيط للمستقبل. ولابد من ذكر القول الشهير لأحد المفكرين وهو اذا اردت ان تبيد شعبا اعمل على ان ينسى تاريخه واكتب له تاريخا آخر فيجهل ماضيه ويضيع حاضره، ولا يصوغ مستقبلا. هنا تكمن قيمة المتحف الذي يساعدنا على تربية اجيالنا على تاريخنا المجيد ومحبته. ان ما يجري في لبنان منذ العام 1975 ، وتداعيات الاحداث الجارية في العالم العربي ولا سيما في سوريا على لبنان، تدعونا الى معرفة هويتنا وثقافتنا اللبنانية التي تكونت عبر التاريخ. نحن نشهد نوعا ما كتابة تاريخ غير تاريخنا ، ونشهد ثقافة غير ثقافتنا اللبنانية تدخل شيئا فشيئا في مجتمعنا اللبناني. فلا بد من العودة الى هويتنا وثقافتنا ودورنا ورسالتنا.” وتابع غبطته:” قيمة الإنسان في ما هو لا في ما يملك. ولذلك كل ما ينجزه الناس على كل المستويات انما يكتسب كمال قيمته عندما يبلغ الى مزيد من العدالة بين الناس والأخوة ونشر القيم الإنسانية والإجتماعية والوطنية ، والى انماء الشخص البشري انماء شاملا ، وانماء المجتمع بكل مقوماته. هذا هو النظام الطبيعي الذي اوجده الله من اجل تحقيق تصميمه الهادف الى خير البشرية والى مساعدة كل فرد في المجتمع على تحقيق ذاته ودعوته الشخصية والجماعية.”
وأضاف غبطته:” امران يشغلان المجتمع اللبناني في هذه الأيام : القانون الجديد للإنتخابات وتزايد نزوح الإخوة السوريين والفلسطينيين من سوريا الى لبنان. الإثنان يثيران القلق حول ثقافة لبنان التي هي وحدها تخلصهكما سواه من الأمم والشعوب. هؤلاء كلهم تحميهم ثقافتهم عبر احداث التاريخ. أما ثقافتنا في لبنان فهي: الدولة البرلمانية الديمقراطية المرتبطة بميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية وهو فيهما عضو من بين المؤسسين، احترام الشرعية الدولية والتعاون معها، ميثاق العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين بالمساواة في الحقوق والواجبات، المشاركة مناصفة في الحكم والإدارة لكون لبنان يعيش ويتحرك بجناحيه المسلم وال
مسيحي، عدم تبعية لبنان لأي بلد في الشرق او في الغربوالإنفتاح على كل الدول والتعاون معها من ضمن اصول القانون الدولي وحياده عن المحاور والأحلاف الإقليمية والدولية مع التزامه الكامل قضايا العدالة والسلام وقيمة الشخص البشري، ونبذ العنف والحرب والارهاب، اعتماد وتعزيز الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والعبادة والمعتقد واعتماد شرعة حقوق الانسان والتزام لغة الحوار والوفاق في حلّ النزاعات الداخلية. فان القانون الجديد للانتخاب يشكل احدى الوسائل الاساسية لحماية وتعزيز وتطوير هذه الثقافة اللبنانية.
وتابع غبطته: “ان استقبالنا للاخوة النازحين من سوريا واجب انساني نقوم به بكل طيبة خاطر وبكثير من التضامن، ولكننا نطالب الدولة اللبنانية ان تعرف من يدخل وكيف يدخل الى لبنان لكي لا تكون خدمتنا الإنسانية وبالاً على لبنان بسبب الفلتان الحاصل اليوم والذي يمكن ان يؤثر تأثيرا عميقا على المدى الطويل في ثقافتنا اللبنانية. ونطالب المتقاتلين في سوريا الكف بأسرع وقت عن هدم بيوتهم على رؤوسهم وقتل الارواح البريئة وهدم الحضارات، ولا يحق لأحد ان يعتدي على حياة اي انسان. كما نطالب الدول المحرّضة بالمال والسلاح والعتاد والأشخاص ان تكفّ عن التحريض على القتل والدمار. ونطالب الأسرة الدولية أن تتحمل مسؤوليتها وهي قامت – عبر منظمة الأمم المتحدة – من اجل السلام في العالم وحماية الدول والمواطن، وأن تعمل جاهدةً لوضع حد لهذه الحرب الدائرة في سوريا. فالمسألة هي مسألة انسانية في الأساس لمساعدة النازحين، ولكن ان نكتفي بارسال المال والمساعدات مع اكمال عملية الحرب فهذا مرفوض، وينبغي ان يوضع حد اليوم لا غدا لهذه الحرب الدائرة. فلا يجوز ان يتحول الموضوع من مسؤولية عن حرب مدمّرة الى قضية محض انسانية في لبنان نحن نعيشها من دون منيّة لأنه من طبيعة اللبنانيين انهم متعاطفون مع كل انسان وهذا ما فعلناه مع اخوتنا الفلسطينيين والعراقيين وسواهم حتى اليوم ولكن الموضوع ان يضعوا حدا لحرب لا يحق لاحد ان يتمادى فيها من اجل أية غاية في النفس، سياسية كانت أم اقتصادية. ونحن انما ندعو الى حماية غدنا الثقافي ولهذا نحن منشغلون تماما بقضية هذا النزوح وقضية انهاء الحرب في سوريا وقضية قانون انتخابي جديد من اجل حماية ثقافتنا اللبنانية لكي يستمر لبنان دولة تنير مجتمعها الشرقي والغربي