بقلم آن كوريان
أجابَ الكاردينال فيليو عن سؤال “ما هي الأسباب الحقيقيّة التي تدفعُ الكنيسة الكاثوليكيّة إلى المشاركة في نقاشٍ حولَ الهجرة؟” فقال : “إنّ ذلك بدافع رسالتها ألا وهي قيادة الإنسان إلى السلام الذي لا يحلُّه سوى لقاء واحد مع المسيح الحيّ”.
شارَك الكاردينال أنطونيو ماريا فيليو وهو رئيس المجلس الحبري لرعويّات المهاجرين والنازحين في لقاء حول موضوع “الكاثوليكيّون والهجرة: تاريخ وواقع وآفاق” الواقع في فرنسا في كليّة بيرناندان في ١٨ و١٩ يناير ٢٠١٣.
أمّا هذا اللقاء فنظّمه مركز المعلوماتيّة والأبحاث للهجرات الدوليّة بالتعاون مع المكتب الدولي الفرنسي لرعايا المهاجرين وأبرشيّة باريس (من أجلِ برنامج اللقاء، اضغط على الرابط التالي:http://www.collegedesbernardins.fr/index.php/rencontres-a-debats/autres-manifestations.html)
الجميع من أجل اللقاء مع المسيح
وفي إطار ظاهرة الهجرة التي لا تزال تتّسع حتّى وصل عدد المهاجرين الدوليّين إلى ٢١٤ مليون مهاجر وفق المنظّمة الدوليّة للمهاجرين، تسائل الكاردينال حول الأسباب الحقيقيّة التي تدفعُ الكنيسة الكاثوليكيّة إلى المشاركة في نقاشٍ حولَ الهجرة وما الذي يدفعها إلى اتّخاذ موقف والحوار والقيام بخطوات تتعلّق بهذا الموضوع.
أمّا سبب مشاركة الكاردينال في اللقاء فهو “اللقاء مع يسوع المسيح” وقال: “إنّ اللقاء الخلاصي مع المسيح الحيّ يُلهم الكنيسة في ما يتعلّق بالنشاطات التي تقوم بها لصالح المهاجرين والنازحين وهذا اللقاء يدعو الكنيسة إلى النموّ وتقودها نحو المناولة وتُشكّلُ درب الوحدة في البشريّة جمعاء.”
وتابعَ قائلًا بالنسبة إلى المسيحيين: “إن المهاجر ليسَ مجرّد فرد يجب احترامه في إطار المعايير التي وضعتها القوانين الوطنية ولكنّه إنسان يُشكّل وجوده تحدّ لهم وتُشكّلُ احتياجاته مسؤوليّتهم.”
ولذلك، فإن رسالة الكنيسة هي “قيادة الإنسان إلى السلام الذي لا يحلُّه سوى لقاء فريد مع المسيح الحيّ”. وإنّ هذه الرسالة “العالمية التي هي من دون قيود أو شروط، أو عوائق” تُشكّلُ “أساس النشاط الكنيسة الكامل” وهدفها النهائي الدائم هو”إشراك الإنسان في الحياة الإلهية من الله للأبد”.
تبشير العالم من جديد
شرَح الكاردينال أنّ هذه المهمّة تُترجم على أرض الواقع عبرَ الدعوة إلى “التغيير” أي “تبشير العالم الحديث من جديد”.
وفي سياق الهجرة، “لا تهتمّ الكنيسة فقط في الحاجة إلى تعزيز التزام الكاثوليكيّين في الإيمان” ولكنّها تهتمّ أيضًا “بالتبشير بالإنجيل لعدد كبير من المهاجرين الذين ‘لم يسمعوا قط بالمسيح، والتبشير من جديد بالإنجيل لأولئك الذين فقدوا معنى الحياة المسيحيّة”.
وقد أشار الكاردينال إلى أنواع مختلفة من المهاجرين: هؤلاء القادمين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وشرق أوروبا “فغالبًا ما تكون جذورهم متأصّلة في الديانات غير المسيحية أو قد لا تكون متأصّلة في أيّ دين لذلك يجدرُ تبشيرهم.
ولكن أيضًا هناك “المسيحيين الذين هاجروا آخذين معهم دينهم والتقاليد الكاثوليكية فيجدون أنفسهم مضطّرين على العيش في بلدان غير مسيحية”. وهؤلاء هم أبطال “النبشير بالإنجيل من جديد في العالم المعاصر.”
الوحدة في التعدد
وأشار الكاردينال أنّ للكنيسة دورٌ آخر أُعطي لها في سياق “العولمة” وهو “سرّ الوحدة والشراكة بين الدول بما فيها من شعوب “كثيرة وثقافات وأديان”.
لذلك إنّ الكنيسة مدعوّة إلى “تغييرٍ عميق في لقائها مع المسيح”: فالأمرُ لا يقتصر على رؤية الهجرة على أنّها مشكلة سياسية”، ولكن اعتبارها “مسألة إنسانية وأخلاقية أساسيّة” فالمهاجرون هم “إخواننا وأخواتنا”.
وفي الإطار هذا تأتي الكنيسة في النقاش “بإيمانها ومبادئها الأخلاقية وخبرتها الطويلة إذ إنّ المهاجرين قد لعبوا دورًا أساسيًّا في العديد من الكنائس المحليّة وعلى مرّ التاريخ المسيحي.”
وأضاف الكاردينال. أنّ الكنيسة ستشكّلُ أداة “جمع أبناء الله الموزّعين”، كما ستشارك في “عملية الاندماج” عبرَ “بناء الشعور بالانتماء إلى مجتمع وإلى قيم مشتركة”.
ويدلّ هذا الموقف على ميزة أخرى خاصة وهي “حماية كرامة كل إنسان” أي “احترام” الكنيسة للمهاجرين يدعو لمساعدة الدول في تطوير “نظام هجرة عادل”.
بناء ثقافة الضيافة
وتابعَ الكاردينال قائلًا إنّ الكنيسة تشجع الإنسانية “ليس فقط لمساعدة المهاجرين عن طريق الأفعال الفردية ولكن أيضًا لتطوير ثقافة ضيافة عامة للمستقبل بروح من “التضامن”.
وتتضمّن ثقافة الضيافة هذه “المساعدة والاستقبال بكلّ ما للكلمة من معنى واندماج حقيقيّ “من دون أي تمييز على أساس الثقافة أو العرق أو الدين.”
وذكّر الكاردينال أنّه بالنسبة إلى الكنيسة “فإنّ حقوق الإنسان متجذّرة في الإنسان – وهذه نظرةٌ تتعارضُ جذريا وفي كثير من الأحيان مع التيارات الحديثة للفكر، حيث يتم وضع قوانين الإنسان وفقَ الرأي العام أو وفق ما يعترف به القانون “.
فسرد مسؤوليّات الكنيسة المتعدّدة: “ضمان أن يتم إبلاغ الرأي العام بشكل صحيح عن أسباب الهجرة التي أجبرت الناس على مغادرة منازلهم” و”معارضة العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب دائمًا وفي كل مكان” “واعتبار المهاجرين كبشر لديهم حقوقهم والنظر في احتياجاتهم بشكل عام، والأخذ بعين الاعتبار ما تتطلّب الاحتياجات من تدابير اقتصادية واجتماعية
وثقافية” وأخيرا “إعطاء المهاجرين حقّ اتخاذ القرارات التي تؤثر في مسار حياتهم.”
وأنهى الكاردينال قائلًا إنّ “الإيمان، أو بتعبيرٍ آخر اللقاء الشخصي مع المسيح الحي” هو من يدفع الكنيسة ” إلى حماية العدالة والكرامة الإنسانية والتضامن لمنع الأيديولوجيات والسياسات المختلفة التي لا تبغي سوى تحقيق مصالحها من التحكّم بالمهاجرين.