تعبق في الأجواء وتختلط مناسباتٌ عديدة هذه الأيام؛ أسبوع وحدة الكنائس عند المسحيين، سنة الإيمان عند الكاثوليك، الذكرى الخمسين لافتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني. وهذا يدفعنا إلى صلاةٍ حارةٍ ملآنة بالمعاناة والأمل.
يوازي المجمع الفاتيكاني الثاني في قيمته المسيحية قيمةَ الثورة الصناعية في تاريخ الإنسانية. الحركة المسكونية هي إحدى بنات هذا المجمع التاريخي. وقد نمت وأثمرت وأعطت عطايا ثمينة. إنها تعيدُ للرب يسوع ثوبه الذي مزّقته شقاقات الكنائس بحسب رؤيا أثناسيوس عندما سأل يسوع المتّشح برداءٍ ممزَّق، “مَن مزّق ثيابك؟”، أجاب يسوع: “آريوس”.
بعد خمسين عاماً من ثورة الروح في الفاتيكان الثاني نصلّي من أجل ثورةٍ ثانية في الكنيسة الكاثوليكية، لا تقلّ أهميةً عن ثورة الديجيتال في عالم الإنسانية.
لا يمكنك أن تتصوّر شكل الثورة، وإلا لا تكون ثورةً ولا تكون جديدة. إلا أنه يمكنك أن تتصوّر بعضاً مما يجب أن تحققه أو ترفضه!
الكنيسة شبابٌ دائمٌ، ربُّها حيٌّ ولا ينام حارسها[1]. إنها جسد المسيح المتحرّك في التاريخ، لا يهدأ ما دام هناك متألمٌ أو محتاجٌ أو ضالّ… لكن بنية أعضائها البشرية تترهّل هنا وهناك. تجد في هذا الجسد قلباً حياً وتجد أظافر لتقطع وأعضاء ناميةً لتدعم…
ترهّلت الكنيسة غرباً في قيادة المجتمع “المسيحي”! نادى المطران الروسي إيلاريون إلى رفع الاضطهاد عن المسيحيين في الغرب والشرق؛ حيث يتنوّع شكله بين جناحي العالم. وهذا نداءٌ حقّ. البابا بندكتوس لاهوتيٌّ في رعايته، يعرف أن يبني حلول الكنيسة على “الكلمة” المناسبة، فهو حيٌّ و”ناطق”. العالم غرباً بحاجةٍ إلى الكنيسة، لأنها “خبز الحياة” الذي سينعش إنسانيته المضطَّهدة من استهلاكيته. حضور الكنيسة الكاثوليكية في الغرب هو رئة تنفّسٍ لإنسانية العالم في جسده المترهِّل والمستوحش!
ترهَّلت الكنيسة في الشرق في تطعيم العالم العربيّ بالفكر المدني والمتنوِّر، وتتأرجح الأفكار في تقييم “الربيع العربي” بين متفائلٍ ومتشائم. والقضية هنا هي رهانٌ أكثر مما هي تقييمٌ، لأننا نتكلّم عن مستقبلٍ لا عن ماضٍ. أيُّ ربيعٍ دون تنوّع؟! اللون الواحد الضبابيّ هو لون الشتاء. يزهو الربيع بألوانه المتنوّعة. التنوّع غنىً، واللون الواحد قنبلةٌ موقوتةٌ تقتل صاحبها.
إن واجب الكنيسة في غلبة الإنسانية في عالم الغرب الاستهلاكي، هو مراهنةٌ تحتاج للمخزون الروحي المسيحي الذي في الشرق. وواجب الكنيسة في ربيع الشرق مراهنةٌ تحتاج لتنظيمِ ومأسسة الكنيسة التي في الغرب.
أسبوع صلاةٍ للوحدة، يدعونا إلى تشابك الأيادي، وجمع المواهب، ومواجهة المشاكل حيث كانت على أنها مشكلتنا جميعاً. إن لم نكن واحداً في الروح والمسؤولية لن نكون واحداً في الصلاة! لا بل سنكون واحداً في الصلاة الان لنصير واحداً في المسؤولية والبناء الإنساني بشكله الأكمل.
[1] مز 120، 4.