· حالة ثالثة:
هناك فئة ثالثة لا تمارس الصلاة الطلب لأنها مقتنعة بأنه ما دام الله عالماً بكل شيء، فهو بدون شك يعرف إحتياجاتها. فلم تعرضها عليه إذاً ؟
إن الخطأ الأول الذي تقع فيه هذه المجموعة هو تغاضيها عن باقي أنواع الصلوات. فرفضها لصلاة الطلب يدفعها لرفض باقي أنواع الصلاة. فبدون صلاة الطلب لن يكون هناك صلاة شكر أو صلاة شكوى أو حتى صلاة سجود وعبادة.
من الغريب أن لا يكون واضحاً لهذه الفئة أن ربّنا نفسه أرادنا أن نمارس صلاة الطلب. ألا يخبرنا الإنجيل أن يسوع قد سأل الأعميين الذين كانا يصرخان على قارعة الطريق: “ماذا تريدان أن أصنع لكما ؟”[1] مع علمه بأنهما كانا بحاجة إلى أن يبصرا، بهذا يكون قد حرَّك فيهما الطلب.
إن صلاة الطلب مهمة جداً فهي تبيّن مدى إيمان الإنسان وإرادته في الحصول على حاجته. إن حصول الإنسان على كل شيء من دون أن يطلب يجعله يعتقد أنه مكتفي بذاته فلا يعرف قيمة عطايا الله بل ينسب تلك العطايا إلى قدرته الذاتية فيقع في أسوأ أنواع الخطأ أي الكبرياء. إن صلاة الطلب تشكّل نوعاً من الإعتراف بضعفنا البشري وتبيّن لنا بجلاء تبعيّتنا وترسّخ فينا التواضع[2]. لكن لا يكون لنا حجر عثرة إذا رأينا أن أحداً من هؤلاء الأشخاص الذين لا يصلّون أو غيرهم قد إستحصل على نِعَمٍ معيّنة من دون أن يسألها. أليست هذه حال إلعازر؟. لنتأمل قليلاً هذا النص. إن هذا الشخص على الرغم من موته وجموده، نرى بأن يسوع يقيمه إستجابة لإيمان وطلب أخته مريم وأخته مرتا. إذاً الطلب المرافق بالإيمان مهم جداً وأساسي في إستجابة الصلوات[3].
لهذا لا نتعجب من حصول هؤلاء على نِعَمٍ، لأنه لا بد وأن يكون أحد ما وفي مكان ما يتشفع لهم ولآخرين. ثم يجب أن لا ننسى أن الكنيسة تذكر دوماً جميع البشر في صلواتها.
· حالة رابعة:
يرفض البعض صلاة الطلب معتبرين إيّاها تسولاً لا يتّفق مع كرامة الإنسان. والجواب على هؤلاء هو أن الصلاة تضع الإنسان في محلّه الذي هو أحط بما لا يقاس من مكانة الله. إن قبول الإنسان لمكانته والإعتراف بها لا يحطّان أبداً من كرامته بل على العكس فالصلاة التي يرفعها إلى الله ترفع نفسه وتضعها بحضرة الخالق، فهل يعتبر هذا إنحطاطاً؟
من ناحية أخرى إن الصلاة هي نوع من التعهد من قبل الإنسان بأن يساعد عمل العناية الإلهية في حياته.
متى 20/32 (راجع أيضاً: مرقس 10/51 ولوقا 18/41)
[2] يقول جان جاك روسو: “إنكم تقولون: أي خير في هذا الطلب الموجه إلى الله؟ أما يعرف جميع إحتياجاتنا؟ وأنا أجيب إن أهم إحتياج فينا هو أن نشعر بإحتياجاتنا. والخطوة الأولى للخروج من شقائنا هي معرفته. لنكن متواضعين فنصبح حكماء. ولنعرف ضعفنا لنصبح أقوياء”.
[3] متى 17/20 ولوقا 17/6 ويوحنا 11/40