قدمت اليوم في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي الرسالة العامة الأولى للبابا فرنسيس بعنون “نور الإيمان” (LUMEN FIDEI).
تشكل الرسالة العامة تكملة لرسائل البابا بندكتس السادس عشر حول الفضائل الإلهية. فبعد رسالتي بندكتس السادس عشر “الله محبة” حول المحبة، و “مخلصون بالرجاء” حول الرجاء، تأتي رسالة البابا فرنسيس لتكملة السلسلة.
تهدف الرسالة إلى إعادة اكتشاف “خاصية نور الإيمان” لأنه، كما يشرح البابا (عدد 4) “عندما تنطفئ شعلة الإيمان، تفقد كل الأنوار الأخرى حيويتها. فنور الإيمان يملك، في الحقيقة، خاصية فريدة، لكونه قادر على إنارة كل وجود الإنسان”.
ويصرح البابا في مقدمة الرسالة أن بندكتس السادس عشر “كان قد أوشك على إنهاء المسودة الأولى للرسالة العامة حول الإيمان”. وقد أضاف البابا فرنسيس لمسته إلى النص من خلال “بعض المساهمات الإضافية.
الفصل الأول
في الفصل الأول من الرسالة الذي عنوانه “لقد آمنا بالمحبة” (1 يو 4، 16)، ينطلق البابا متحدثًا عن شخصية إبراهيم من العهد القديم، فيشرح أن الإيمان يأتي كجواب لسماع كلمة الله ولدعوته للخروج من الأنا المنغلق نحو حياة جديدة ووعد شخصي.
يظهر الله في طبيعة الإيمان هذه كآب، والإيمان كهبة مجانية من الله، تتطلب منا تواضع الإيمان والتسليم له.
ثم تتوقف الرسالة العامة على شخصية يسوع الذي يبين لنا بشكل جلي عن حب الله الذي هو ركيزة الإيمان. يسوع هو “الشاهد الأمين” وفيه يعمل الله بشكل ملموس في تاريخنا البشري.
ويميز البابا بين وجهين هامين في إيمان-يسوع: هناك الإيمان به، كإله وكموضوع إيمان، وهناك الإيمان بكلمته. فنحن نؤمن بيسوع بشكل عميق عندما نقبل كلمته. وقبول يسوع هذا هو عمل الروح القدس.
الفصل الثاني
أما الفصل الثاني، والذي عنوانه “إذا لم تؤمنوا لن تفهموا” (أش 7، 9) فيتحدث البابا عن الرباط الوثيق بين الإيمان والحقيقة، حقيقة الله الموثوقة وحضوره الأمين في التاريخ.
ويقول البابا: “إن الإيمان بلا حقيقة، لا يُخلّص، ولا يجعل خطواتنا ثابتة. بل يبقى مجرد خرافة جميلة، انعكاسًا لرغباتنا في السعادة، أمرًا يفرحنا يمقدار حاجتنا في أن نخدع أنفسنا أو ينحصر في مجرد شعور طيب، يعزي ويدفئ، ولكنه يبقى موضوعًا لتذبذبات أمزجتنا، ولتقلبات التاريخ، ومن ثم عاجزًا عن دعم مسيرة دائمة في الحياة” (24).
إن إيمانًا من هذا النوع لا يستحق أن نكرس له حياتنا. ولذا لا بد أن يكون هناك ربط حميم وأساسي بين الإيمان والحقيقة. وفي ظل “أزمة الحقيقة” التي نعيشها، إنه لمن الضروري أن نذكر بأهمية هذا الرباط. ويفتح البابا بالتالي بابًا للحوار بين الإيمان والعقل حول الحقيقة في عالم اليوم، لافتًا إلى أن الحقيقة لا يُمكن أن تُختزل بالحقائق المخبرية والعلمية، كما ولا يمُكن أن تضحي مجرد “أصالة فردية”، بل يجب أن تنفتح على بعد موضوعي تسمح بفتح أبواب تواصل بين جميع البشر.
الفصل الثالث
يتوقف الفصل الثالث وعنوانه “أنقل لكم ما قد تلقيته” (1 كور 15، 3) على أهمية التبشير، فيوضح أن من قد التقى بحب الله وانفتح عليه، لا يستطيع أن يبقى منغلقًا في ذاته. لا يستطيع المؤمن أن يحتفظ بالإيمان كملك ذاتي فقط.
يشع نور المسيح على وجه المؤمن وينتشر كشعلة تستنير وتنير شعلًا أخرى وتمر من جيل إلى آخر.
وشدد البابا على أنه من المستحيل أن نؤمن لوحدنا، لأن الإيمان ليس خيارًا فرديًا. الإيمان يعاش في صلب الشركة الكنسية.
الفصل الرابع
يتوقف الفصل الرابع – وعنوانه: “يعد الله لهم مدينة” (عبر 11، 16) على الرباط بين الإيمان والخير العام، لافتًا إلى أبعاد الإيمان الاجتماعية والترابط بين الإيمان والعدالة والسلام.
يوضح الفصل أن الإيمان ليس فكرًا مجردًا بل هو واقع محوّل. والإيمان في ارتكازه على المحبة يحدس الرابط الأعمق بين البشر الذي ليس المصلحة بل المحبة والشركة.
وتتوقف الرسالة العامة بالتالي على مختلف الوقائع البشرية المستنيرة بنور الإيمان مثل العائلة، العلاقات الاجتماعية، العمل، البيئة، إلخ.
هذا وتتوقف الخاتمة على مريم “الأيقونة الكاملة” للإيمان، وإليها يرفع البابا فرنسيس الصلاة لكي تساعد إيمان إنسان اليوم ولتذكرنا أن المؤمن ليس وحده أبدًا.