خبرة الثالوث الأقدس في النفس. ولادة الابن الأزلية ليست جسدية بل روحية

الثالوث الأقدس الإله الواحد الحق (9)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

كان لفكر أغسطينوس حول صورة الثالوث الأقدس في النفس البشرية (راجع القسم السابق على هذا الرابط) أتباعٌ مهمين في تاريخ الفكر اللاهوتي. نلفت إلى شخصيتين بارزتين بينهم: غييوم دو سان تياري والقديس بونافنتورا.

كلا اللاهوتيين يبينان كيف أن الثالوث الأقدس يشع في النفس البشرية ويحثاننا على تأمل الثالوث الأقدس في النفس كما في مرآة.

يكتب القديس بونافنتورا: “أدخل إلى ذاتك، وتأمل في نفسك. فهي تحبّ ذاتها بشكل عميق؛ ولكنها لم تكن لتحب ذاتها لو لم تعرف ذاتها؛ ولم تكن لتعرف ذاتها لو لم يكن لديها ذكر لذاتها، لأننا لا نستطيع أن نفهم إلا ما هو محفوظ في ذاكرتنا؛ وعليه بعين العقل – وليس بعين الجسد – يمكنك أن تفهم أن للنفس قدرات ثلاث. أنظر في هذه القدرات فترى الله من خلال ذاتك كونك صورة الله: وبهذا الشكل تنظر إلى الله كما في مرآة”.

هذا ويقدم القديس يوستينوس، وهو من مدافعي المسيحية الأولين تشبيهًا يبين لنا أن ولادة الابن ليست ولادة جسدية، كما لو كان في الله مخاض وحبل، إلخ. فالفيلسوف المرتد إلى المسيحية بعد أن اختبر العديد من التيارات الفلسفية والدينية، يدحض تفاهة من يتهم المسيحيين بأنهم ينسبون لله خصائص وصفات تتعلق بالمرأة الحامل. يستعمل يوستينوس تشبيه العقل الذي يولد الفكر، ويقول أنه بشكل مماثل يمكننا أن نفكر بالآب الذي منذ الأزل يحمل اللوغوس (الكلمة، الفكر، الحكمة، إلخ) في ذاته. اللوغوس هو كلمة الله الموجودة في حضن الله، في فكر الله، وحرمان الله من حكمته هو جعل الله جاهلاً. فيسوع هو كلمة من الله، وكلمة الله ليست زمنية بل هي أبدية من أبديته. كلمة الله ليست كلمة مائتة أو زائلة، بل هي أبدية هي حية لدى الله وفي الله.

وهذا ما يقوله مطلع إنجيل يوحنا. في البدء كان اللوغوس، واللوغوس كان لدى الله واللوغوس كان الله. لقد تركت الكلمة اليونانية قصدًا لأنها تتضمن الكثير من المعاني التي تفوق مجرد تعبير “الكلمة”. اللوغوس هو في الوقت عينه: الروح، الحكمة، الفكر، العقل، المعنى، الكلمة، إلخ.

وعليه فالتثليث هو تعبير عن سمو الله، عن حكمته الأبدية. الله منذ الأزل وإلى الأبد متحد بحكمته الأزلية. وكما أن هناك تمايز واتحاد بين الإنسان وفكره في الوقت عينه، كذلك في كيان الله – كما كشفه لنا يسوع المسيح – هناك تمايز واتحاد بين الآب والابن.

بالعودة إلى تشبيه يوستينوس، يتوضح لنا أن “ولادة” الابن هي تعبير مجازي، وليست ولادة جسدية مع آلام المخاض وبحضور الدايات.

يوضح أغسطينوس هذا التبشبيه عندما يقول: “وكأن الآب قال نفسه عندما ولد الكلمة، المساوي له في كل شيء”. الآب يعطي ذاته للابن، يعطي ذاته في الابن ويقول ذاته في الابن.

(يتبع)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير