في المقالة السابقة تحدثنا عن الكسل في احد أقوال آباء الصحراء، القديس أنطونيوس الكبير. الآن نرغب في معرفة مفهوم التواضع وأهميته في أقوالهم.
في يوم يرى القديس أنطونيوس الكبير أمامه كل مكائد وخدع الشيطان الذي يصنعها ابليس كي يهلك الإنسان. يرى الكذب والتفسيرات الخاطئة التي يعطيها الشرير للإنسان كي يقنعه بعدم حب الرب له، يرى التجارب والمحن التي يعدها إبليس للإنسان كي يسقطه في الخطيئة. يرى كل هذا أمام عينيه فيخاف ويسأل من سيخلصني من كل هذا؟ فيسمع صوت يقول له: التواضع (PJ XV 4). كم هي عميقة تلك الكلمة! من الذي له القدرة ان يخلص الإنسان من السقوط في التجارب والمحن والخطيئة؟ هكذا يسال أنطونيوس ويسمع صوت يقول له. التواضع. لم يقل له أي شيء آخر، اختار الأهم من بين الفضائل. التواضع والذي هو سلم بدرجات عديدة. اولها معرفة الذات وضعفها ومحدوديتها وقبولها بصبر واثقا في حب ورحمة الله. التواضع مثل داود النبي عندما أخطا لم يبرر خطيئته ، اعترف بها وتقبل من الرب التوابع.
هذا التواضع ومعرفة ضعفنا هو الذي يدفعنا ان نتحد بحليف أقوي في الصلاة وإلا تصبح الصلاة واجب، في حين أنها ضرورة. نعم ضرورة لأني علمت مقدار نفسي وعدم قدرتي فاحتاج لغيري، لمعين. من التواضع ينبع الصوم والذي هو محاولة للاستعداد لقبول واستقبال العريس المنتظر. التواضع يدفع للصلاة والصوم. وإلا اصبح الصوم والصلاة مجال للافتخار وممارسات دينية وطقسية لا تمس كياني ووجودي.
في قول آخر لاحد الآباء واسمه يوحنا نانوس يقول؛ من الذي باع يوسف ؟ فيرد الراهب الشاب؛ إخوته. يقول له يوحنا: أخطأت. الذي باع يوسف هو تواضعه. لانه كان يستطيع ان يصرخ ويتمرد ويقول انا أخ لهم. لكن تواضعه اسكته، جعله يسلم نفسه كحمل مساق إلى الذبح. ونفس التواضع جعله اول مدبر ووالي على مصر.(PJ XV 22b) . التواضع هو الذي يدفعنا ان نقبل أخطاء الآخرين، واثقين ان الرب سيخرج لنا منها بركات.
بالفعل كما يقول الرب طوبي لفقراء الروح، ومن هم فقراء الروح؟ قد يكونوا هم الأشخاص المتواضعون والذين يروا كل يوم ضعفهم وخطيئتهم أمامهم فلا يستطيعوا ان يحكموا على ضعف وأخطاء الآخرين. هذا ما أتمناه لي ولكم.