يبدو غريبا، في عالم ممتلئ بالكثير من المتع، والتي من السهل الحصول عليها و تبدو قادرة على أن تلهي الإنسان وتخرجه منما يشغله، أن نتحدث عن الحزن. نعم شيء غريب. لكن الأغرب هو ما نراه من حولنا: فالعديد من الأشخاص، ونحن أنفسنا في أوقات كثيرة نكون محاطين بالحزن. فما هو الحزن؟
ليس بودي ولا باستطاعتي عرض ماهيّة الحزن وتفسيره النفسي والعلمي، ولكن ما أثّر فيّ قول القديس بولس عن الحزن: "حزن حسب الله يورث توبة تؤدي الى الخلاص، وحزن حسب العالم يؤدي الى الموت" (2 قو 7: 10).هذان هما نوعا الحزن بحسب الكتاب المقدس؟
يقول انطونيوس الكبير أن الحزن هو شعور وحالة إنسانية ناتجة من رغبة لم تتحقق. الحزن إذا ثمرة رغبة لم تكتمل، رغبة في شيء ما او في واقع غير متاح او غير ممكن تحقيقه. لكن في العديد من المرات يرغب الإنسان في فعل شيء ويفعله، لكنه يبقى حزيناً. الإنسان يتمم الفعل الذي كان يبحث فيه عن شيء ما، ويحصل منه على المتعة الوقتية. لكن رغبته العميقة التي كان يبحث عنها لم تتحقق، فيقع من جديد في الحزن.
هناك عديد من الامثلة التي تجسد هذه الحالة: شخص في صعوبة زوجية، يقرر ان يرتاح، ان يغير واقعه، ان يترك زوجته او ان يُرفه عن ذاته. فيُطلّق، ينفصل، يخون، يحقق ما يريد. لكن من جديد تجده حزينا، لقد حقق ما اراد لكن لم تتحقق رغبته العميقة في الراحة التي كان يسعى إليها. لان الراحة لا تأتي من التخلص من الصعوبات.
الحزن ينتج ايضا من فقدان عزيز. لدينا الرغبة في ان يبقى معنا، ويبقى للابد، او على الأقل يبقى ما بقينا نحن. فبفقدانه تُحبط تلك الرغبة فيتولد الحزن.
الحزن ينتج من نهاية قصة معينة، كم أردنا ان تدوم وتدوم للأبد، او على الاقل تكون نهايتها مع نهايتنا. تنتهي القصة ونحن نبقى، فتُحبط الرغبة، فيتملكنا حزن بلا غروب.
وغيرها من الامثلة..... الحزن ينبع من رغبة مُحبطة. كم هو عميق تفسير الآباء!
كل هذا يجعلنا نفهم: لماذا ينتج الحزن العميق بعد الخطيئة. لان الخطيئة ليست فعل شيء ممنوع فقط. هي كما يشير التعبير العبري للكلمة، فقدان الهدف. الفشل في الوصول الى الهدف. هذه هي الخطيئة. بالخطيئة يبحث الإنسان عن شيء ما، عن حياة، عن كيان يملأ فراغه ووحدته الوجودية. وهذا الفعل لا ولن يستطيع ان يحقق له ما يرغبه. قد يُمتّعه، يلهيه، يجعله يتناسى صعوباته، لكن أعماق هذا الإنسان لم تحصل على رغبتها الحقيقية. فيقع في الحزن. وهذا هو الحزن حسب العالم.
أما الحزن حسب الله فهو ينبع في الإنسان الذي يرغب بالعمق ان يعرف الله ويحبه. لكن في واقعه اليومي يجد نفسه بعيدا عن هذا. رغبته هذه لا تتحقق، فيحزن. ما أسعد هذا الحزين! لان حزنه يجعله يفكر فيما يفعله ويدفعه كي يغير اتجاهاته، كي يتوب، فيخلُص. ويخلُص اي يحقق رغبته العميقة، أن يكون متحدا بالله. وهذا ما أتمناه لي ولكم.