في إحدى صلواته يتوجه القديس باسيلسيوس الكبير إلى الله بهتاف تعجب: “ما أروع المعرفة التي أحوزها عنك من خلال النظر إلى ذاتي!”. في محيّا الإنسان يُشع مجد الله: “مجد الله هو الإنسان الحي”، يقول القديس إيرناوس في تعبير شهير، ويضيف: “حياة الإنسان هي رؤية الله”. يعيش الإنسان بالملء عندما يدخل في رؤية محوِّله لسر الله، عندما يقبل من فم الله نسمة روحه المحيي والذي يخلقه من جديد.
الرؤية التي نتحدث عنها ليست مجرد فضول العين، بل هي العيش بحسب حياة الله. ولمسة الله في حياة الإنسان هي هبة ومهمة في آن، مهمة تحثنا على أن نضحي على مثال الله الذي خلقنا على صورته في الأصل.
إن مسيرة الأنسنة هي مسيرة طويلة من الصورة إلى المثال، المثال الإلهي، المثال الثالوثي: نضحي بشرًا حقًا، عندما نسمح لله بأن يؤلهنا.
في هذا الإطار، لا يبقى الحديث عن الثالوث مجرد تفكير مجرد بشأن الله انطلاقًا من الآيات الكتابية التي تتطرق إلى الموضوع، بل يضحي مشروعًا يلهم حياة المرء ويحولها.
معرفة الثالوث لا تتوق إلى المعلومات المجردة بل إلى التحول، تحول نظرتنا وحياتنا بعينها وإلى زرع القلب الجديد في صلب كياننا الروحي، قلب ينبض بالشراكة والحب اللذين نتأملها في أيقونة الثالوث الإله الواحد الحق.
الحياة المسيحية ليست مجرد معرفة بشأن الله، بل هي معرفة شخصية وحميمية لله، هي دخول في صلب رقصة حب وفرح الثالوث الأقدس. والولوج في هذا الحب يتم بفضل محبة الله التي أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وُهب لنا، بحسب ما يعلمنا القديس بولس الرسول (روم 5 ، 5).
بحق يقول القديس الروسي سيرافيم ساروفسكي بأن غاية الحياة المسيحية هي الحصول على الروح القدس. من يقبل الروح بشكل ثابت في كيانه، يدخل في عناق وقبلة الثالوث الأقدس. وقد أدرك جيدًا القديس برنردوس أن رمز القبلة في نشيد الأناشيد يير إلى الروح القدس. فمعلم الكنيسة يتساءل: “ما هو الروح القدس إلا القبلة التي يتبادلها الآب والابن؟”.