العزلة او بتعبير أخر الوحدة هي أساس للحياة الرهبانية عند أباء الصحراء. فالعزلة ليست المقصود بها الانعزال عن الآخرين، وان كان هذا هام للحياة الرهبانية في بعض الأوقات ولكن الأساس هو أن يكون الراهب وحيدا مع المسيح. فكلمة راهب باللغات الأجنبية تأتي من كلمة وحيد. وحيد مع وحيده يسوع المسيح. فالوحدة هي أكثر من عزلة عن العالم هي الاتحاد بشخص أخر، ومعه وحده، لأنه وحده يكفي، تقول القديسة تريزا للطفل يسوع.

         في يوم كان الراهب ارنيوس مجرب بشدة من الشيطان، فاخذ في الصلاة كي ينجو من التجربة وإذا يسمع صوت يقول له: "ارنيوس، اهرب من أسباب الخطيئة، واصمت وادخل في العزلة" (88bc).  هذا الأمر عميق جدا. فلكي يتخلص الراهب من التجارب، ولكي لا يسقط فيها عليه أن يهرب من الأسباب التي تؤدي به إلى الخطيئة، وان يصمت، مثل ذكريا ويتأمل عمل الرب، والاهم من كل هذا أن يدخل في عزلته، يرجع إلى وحيده، فهو القادر أن يعوضه ويملئه ويشبعه، يرجع إلى المسيح في وحدته.

         يُحكى عن راهب شاب كان مشهور بعفته ومحاربته القوية للشيطان وسط التجارب، وإذ به في يوم يقع فريسة للعديد من الخطايا ولم يتمكن التخلص منها. فأوحى الرب لمعلمه أورنيوس فذهب له وقال له: "ماذا حدث لك؟ فأجاب هزمني الشيطان وأوقعني في خطيئة عدم العفة. فأجابه المعلم لا، ليس بصحيح. هزمك الشيطان فعلا. لكنه أوقعك في خطيئة الهروب من العزلة. تلك هي الخطيئة"(11bc). هذا الأمر ليس بسهل تفهمه، فعندما يترك الراهب وحدته مع وحيده المسيح، يصبح عرضة لتجارب الشيطان. فسر وقوة المكرس هي في اتحاده التام والمستمر والمتجدد مع وحيده، مع المسيح.

         وحدة الراهب، هي مثل جذري لوحدة وعزلة كل مسيحي، والمقصود بها هنا ليس ترك العالم والأشخاص والذهاب بعيدا، بل وسط العالم وبين الأشخاص، يكون هناك شخص، دائما معه متحدين، وكأنه وحيدا لنا، وأنا وحيدا له. كالأزواج، بين العالم والأشخاص، في علاقة مع الجميع، لكن هناك علاقة خاصة ووحيدة بينهما، تربطهما حتى عند بعد أجسادهما عن بعض. فالزوج وحيدا لزوجته والزوجة وحيدة لزوجها. هكذا يشرح الكتاب المقدس علاقة شعب الله بالرب، علاقة الكنيسة بالمسيح، علاقتنا نحن مع الرب. عروس تنتظر عريسها، ووحيد في حماية وحيده.

         وهذا ما أتمناه لي ولكم.