مار شربل: قديّس من لبنان للعالم (القسم الثاني)

حديث مع كاتبة وصحافيّة إيطالية بمناسبة عيده

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاورها رينزو أليغري

ننقل إليكم اليوم القسم الثاني والأخير من المقابلة مع الكاتبة والصحافيّة الإيطالية باتريسيا كاتانييو، التي ألفت العديد من الكتب حول القديس شربل.

القسم الأول قمنا بنشره أمس الثلاثاء 23 تموز.

***

كل قدّيس يتميز بفضائل معيّنة أو بطرق تقشفية محددة: بأي منها تميّز القديس شربل؟

باتريسيا كاتانييو: “من الصعب الإختيار. ان التزامه التقشفيّ كان كلياً ودائماً. كان يتعرّض للإذلال المستمر، كالصوم الدائم، كسهرات الصلاة اللامتناهية، والعمل خلال مرضه، وليالي الصقيع، ورفض الأدوية. لم يكن يأكل وكان ينام قليلاً، ويعمل في الحقل عملاً شاقاً وكأنه مجبر على ذلك. كان يتحدّث فقط إذا كان يستجيب لأمر الطاعة أو للضرورة، بصوت منخفض، دون أن ينظر الى الشخص الآخر، كان غطاء رأسه دوماً فوق عينيه وهو ينظر الى الأسفل. كان يخرج من الدير فقط عندما يطلب منه رئيسه زيارة أحد المرضى أو لعماد أحدهم أو لدفن أحد. وعند غياب رئيسه، كان يطيع جميع من يوجه إليه أمراً. لم يكن ليقبل أفقر الفقراء طعامه سريره وثيابه. ولكن فقره المميز كان ليخفي غناءه الروحي. كان يومه يتمحور حول القداس، كان يحضره لوقت طويل وبعناية فائقة. كان يصليّ باستمرار، ويركع ساعات وساعات في الكنيسة. في احد الأيام ضربت صاعقة المحبسة، حرقت المفرش الذي يغطي المذبح مع طرف ردائه، ولكنه كان مأخوذ بالصلاة لدرجة أنه لم ينتبه لذلك”.

ماذا جرى بعد موته؟

باتريسيا كاتانييو: “توفي القديس عشية عيد الميلاد عام 1898. دفن في اليوم التالي في مقبرة الدير الجماعية. لمدّة أشهر بعد موته، كان ينبثق من قبره ضوء ساطع وغامض، واضح في جميع أنحاء الوادي. لم تكن الكهرباء في تلك الأيام موجودة في تلك المنطقة، والمشهد كان رائعاً. شهرة القديس شربل كان تشدّ الكثير من الناس، فقد خاف الرهبان من أن يحاول أحدهم صنع عمل ما في جثمانه، ولذلك قرّروا نقله إلى داخل الدير. وعندما فتحوا القبر وجدوا بأن الجثمان لا يزال كما هو طريّ وكأن الشخص نائم وليس ميت. يخرج سائل لزج من مسامه، وكأنه المصل الذي يخرج من جروحات شخص حيّ، بعدها اكتشفوا بأن هذا السائل له خصائص شافية غير اعتيادية. هذه الظاهرة غير الاعتيادية دامت 79 عاماً، أي حتى 1977، السنة التي خلالها تمّ تقديسه. “لم أر ولم أقرأ في حياتي، حالة مماثلة في أي كتاب طبيّ ” هذا ما قاله الطبيب جورج شكرالله، الذي كان شاهداً في قضية تطويب شربل. أضاف الطبيب: “دفعني الفضول العلمي، لمحاولة اكتشاف سرّ هذا الجسد وهذا السائل. وبعد ان قمت بدراستهما لمدّة 17 عاماً تقريباً، مرتين أو ثلاث مرّات في السنة، في رأيي الخاص، المرتكز على الدرس والخبرة، هو أنه مشبع بقوّة خارقة ذات طبيعة غامضة””.

لماذا تمّت تسمية عام 1950 “العام الشربليّ”؟

باتريسيا كاتانييو: “لأنه خلال ذلك العام، الأمور غير الطبيعية المتعلقة بالأب شربل شهدت انفجارًا حقيقيًّا. كان عام 1950، بالنسبة للكنيسة، العام المقدس. وبهذه المناسبة قرّر عرض جثمان الناسك ليتمكن الناس من تبجيله. تمّ فتح القبر بحضور لجنة مخصصة رسمية، فوجدوا أن الجثمان لا يزال طريًّا كما هو. وعندها بدأت العجائب اللامتناهية حتى سجّل الدير بفترة بعض الأشهر 2000 عجيبة.

في ذلك العام، زار كاهن عنايا، والتقط صورة جماعية أمام المحبسة. وعندما قام بتظهير الصور وجد شخصًا آخرًا لم يكن موجودًا عند التقاط الصورة: كانت صورة القديس، أكّد ذلك من كان يعرفه. انها صورة مهمّة جدّاً لأنه لم يتمّ التقاط أيّة صورة للأب شربل عندما كان حيّاً. ومن هذه الصورة ’الخارقة’ تمّ رسم وجهه المعروف اليوم”.

هل تعرفت على أشخاص حصلت لهم ’معجزة’ من قبل القديس شربل؟

باتريسيا كاتانييو: “العديد منهم. نهاد الشامي، سيّدة لبنانية لها من العمر 74 عامًا، هي أكثر الحالات التي تثير الحيرة. انها غير معلمة ولكن إيمانها قويّ جدّاً. يوم 9 كانون الثاني 1993 ضربها شلل دماغيّ. انسداد مزدوج في الشرايين السباتية، سبب لها الشلل الجزئي في الجسد. بقيت تسعة أيام في العناية الفائقة في مستشفى جبيل، وأثارت قلقًا شديدًا، لأنها لم تكن تستجيب للعلاج. تمّ اعتبار العملية الجراحية خطرة على حياتها، لذلك استبعد هذا الأمر. وبهذه الأثناء تمّت اعادتها إلى منزلها. كانت تتكلم بصعوبة، ولا يمكنها التحرّك. بدأ أولادها بالصلاة للقديس شربل. فمسحوا وجه والدتهم وعنقها بتراب أخذوه من فوق قبر القديس شربل.

مساء يوم 22 كانون الثاني، حلمت نهاد براهبين في وسط ضوء ساطع، يقتربان من سريرها. قال لها احداهما: ’أنا القديس شربل وأنا هنا لأجري لك عملية جراحية’. خافت نهاد، ولكن القديس كان قد بدأ بالعملية. عندما كانت أصابعه تحفر في عنقها، كانت المرأة تشعر بوجع قوي جداً. واخيراً، الراهب الثاني الذي هو القديس مارون، وضّب لها الوسادة تحت رأسها وساعدها على الجلوس في السرير، وجلب لها كوبًا من المياه، ودعاها لتشرب منه دون القشّة. ترددت نهاد، ولكن القديس مارون قال لها: ’لقد شفيناك بعملية جراحية. يمكنك النهوض، الشرب والسير’. استيقظت المرأة ووجدت نفسها جالسة في السرير كما حلمت في منامها.

قامت بمفردها وذهبت إلى الحمام. نظرت إلى نفسها في المرآة ووجدت في عنقها جرحين من 12 سنتيمترًا في الجهتين، وضعت القطب على الندوب، حيث الخيط لا يزال واضحاً. ويملأ الدم عنقها وثيابها. ذهبت على الفور لإيقاظ زوجها، الذي استيقظ مذعوراً. حتى الصعوبة في ا
لكلام قد اختفت، وبهذا الشكل تمكنت نهاد من التكلم وشرحت ما قد حصل بشكل طبيعيّ. في الصباح التالي، زارت دير عنايا برفقة زوجها لتشكر القديس شربل على ما صنعه لها، وتخبر رئيس الدير بما حصل. ثم صرّح الأطباء بشفائها غير الطبيعيّ.

انتشر خبر الأعجوبة بسرعة فائقة، وانهمر الناس إلى بيتها. خوفاً على صحتها نصحها الطبيب وكاهن الرعية بالانتقال مؤقتاً إلى منزل ابنها، ولكن القديس شربل ظهر لها في المنام ونبهها قائلاً: ’لقد تركت لك الندوب بإرادة الله، حتى يتمكن الجميع من رؤيتها، بالأخص الذين ابتعدوا عن الله والكنيسة، حتى يعودوا للإيمان. أطلب منك الذهاب إلى المحبسة كل 22 من الشهر، بمناسبة شفائك للمشاركة بالقداس. هناك أنا دائماً موجود’. منذ ذلك اليوم، وفي كل 22 من الشهر، تذهب نهاد مع زوجها إلى المحبسة في عنايا، للمشاركة بالذبيحة الإلهية. يمكن للناس أن يروا الندوب على عنقها حمراء وتسيل منها الدماء. آلاف الأشخاص من جميع أنحاء لبنان والعالم، ومن جميع الطوائف والمذاهب يذهبون للمشاركة في هذا القداس، والكثيرون يرتدون بسبب هذه الشهادة.

أمّا الحقيقة اليوم، فهي بعد دراسات عديدة وتحاليل وتجارب طبيّة، باهرة جدّاً. عام 2002 نتيجة الفحوصات أكدت بأن نهاد تعرضت لعملية جراحية فعلية، في العنق من الجهتين، وشرايينها على أحسن وجه وبأن الشلل الذي أصاب دماغها لم يسبب لها بأي خلل دماغي”.

***

نقلته إلى العربية ماري يعقوب – وكالة زينيت العالمية. 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير