ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا فرنسيس اليوم بعيد تسلمه مفاتيح مدينة ريو دي جانيرو من رئيس البلدية.
***
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
من الجميل أن أتواجد هنا معكم! في البداية حين وضعت جدول زيارتي الى البرازيل، كانت رغبتي أن أزور كل أحياء هذا البلد. تمنيت أن أقرع على كل باب وأقول “صباح الخير”، وأطلب كوب ماء بارد، وأرتشف فنجان قهوة، وأتحدث مع الموجودين كصديق، وأستمع الى قلب كل واحد، الآباء، والأطفال، والأجداد…ولكن البرازيل بلد كبير جدًّا! وأن أطرق على كل الأبواب هو أمر مستحيل! لذلك اخترت أن آتي الى هنا، أن أزور “مدينة الصفيح” التي تمثل اليوم كل أحياء البرازيل. كم هو جميل أن تُستقبل بمحبة، وبكرم، وبفرح! يكفي أن أرى كيف زينتم طرقاتكم. هذه أيضًا علامة على المودة، هي وليدة قلبكم، قلب البرازيليين الذي هو في عيد! شكرًا جزيلا لكل واحد منكم على هذا الاستقبال الجميل! أتشكر المونسنيور أوراني تامبيستا والزوجين رانغلير وجوانا على كلماتهم الحارة.
1- منذ اللحظة الأولى التي وطئت قدماي فيها الأرض البرازيلية وهنا أيضًا بينكم، أشعر بأنني موضع ترحيب. ومن المهم أن نعرف كيف نرحّب؛ عندما نكون كرماء في الترحيب بشخص ما، أقول لكم، ونتشارك معه شيء ما- القليل من الطعام، مكان في بيتنا، وقتنا- لا نبقى غير فقراء فحسب، بل نغتني. حين يشعر شخص ما بالجوع ويقرع بابكم، أنا أعرف بأنكم تجدون دائما طريقة لتشارك الطعام؛ كما يقول المثل يمكننا دائما “أن نضيف المزيد من الماء الى الفاصولياء!” وأنتم تفعلون ذلك بمحبة، مبينين أن الغنى الحقيقي ليس في الأشياء بل في القلب!
والشعب البرازيلي، بشكل خاص الأشخاص الأكثر بساطة، يمكنه أن يقدم للعالم درسًا مهمًّا عن التضامن، وهي كلمة غالبًا ما تنسى أو تقتل، لأنها تزعج. أود أن أدعو الذي يملك عددا كبيرًا من المصادر، والسلطات المدنية، وجميع الناس ذوي الإرادة الطيبة الملتزمين بالعدالة الاجتماعية وأقول: لا تتعبوا من العمل لعالم أكثر عدلا وأكثر تضامنًا! لا يمكن لأحد أن يبقى مكتوف اليدين أمام عدم المساواة الذي لا يزال موجودًا في العالم! فليعلم كل شخص بحسب إمكانياته ومسؤولياته أن يقدم مساهمته ليضع حدًّا للكثير من الظلم الاجتماعي. هذه ليست ثقافة الأنانية، أو الفردية التي غالبًا ما تنظم مجتمعنا، وتقود لعالم مسكون أكثر، بل هي ثقافة التضامن التي لا ترى في الآخر منافسًا أو عددًا بل أخًا.
أرغب بأن أشجع الجهود التي يبذلها المجتمع البرازيلي لدمج جميع مكوناته، كتلك التي تعاني وتحتاج أكثر من غيرها، في مكافحة الجوع والفقر. لن تنجح أية جهود للتهدئة، ولن يكون هناك تناغم ولا هناء في مجتمع يتجاهل، ويضع جزءًا من محيطه على الهامش ويهمله. إن مجتمع كهذا يفقر بهذه البساطة ويخسر حتى شيئًا ضروريًّا لنفسه. فلنذكّر بهذا دائمًا: فقط حين نستطيع أن نتشارك نغتني فعلا؛ كل ما تتم مشاركته يتضاعف! إن قياس حجم مجتمع ما يعطى بحسب الطريقة التي يعامل فيها الأكثر احتياجًا، الذي لا يملك إلا فقره!
2- أود أن أقول لكم أيضًا أن الكنيسة “محامية العدالة والمدافعة عن الفقراء ضد عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية غير المقبولة الذين يصرخون الى السماء” (Document d’Aparecida, p. 395)، ترغب في التعاون بكل مبادرة تملك المعنى الحقيقي لتنمية كل انسان وكل البشر. أصدقائي الأعزاء، من المؤكد أنه من الضروري إعطاء خبز للجائع؛ إنه عمل عادل. ولكن هناك أيضًا جوع أعمق، جوع الى هناء لا يشبعه إلا الله. فليس هناك من تعزيز حقيقي للخير العام ونمو حقيقي للإنسان عندما يتمّ تجاهل الأسس الجوهرية التي تستند إليها الأمة، خيراتها غير المادية: الحياة، التي هي عطية الله، وقيمة ينبغي حمايتها على الدوام؛ العائلة، أساس التعايش والعلاج ضد التفتت الاجتماعي؛ التربية المتكاملة التي لا تقتصر فقط على نقل معلومات بهدف الربح؛ الصحة التي ينبغي أن تبحث عن الخير المتكامل للإنسان، في بعده الروحي أيضا، الأساسي للتوازن البشري ولنمط حياة صحي مشترك؛ والأمن إقتناعًا بأنه يمكن التغلب على العنف فقط من خلال تبدّل القلب البشري.
3- .أود أن أقول شيئًا أخيرًا. هنا، كما في كل البرازيل، هناك الكثير من الشباب. أنتم أيها الشباب لديكم حساسية تجاه الظلم، ولكن غالبًا ما تشعرون بخيبة امل من أفعال تتحدث عن الفساد، من أشخاص الذين عوضًا من أن يسعوا للخير العام يسعون لخيرهم الشخصي. أكرر لكم وللجميع: لا تيأسوا أبدًا، لا تفقدوا الثقة، والرجاء. يمكن للحقيقة أن تتغيّر، يمكن للإنسان أن يتغير. اسعوا أنتم أولا لتحقيق الخير، لا للتعود على الشر، بل على الإنتصار عليه. إن الكنيسة ترافقكم، وتحمل لكم خير الإيمان القيّم، من يسوع المسيح الذي “أتى لتكون للناس الحياة وليكون لهم الأفضل.” (يوحنا 10 ، 10).
اليوم لكم جميعًا، بخاصة لسكان “مدينة الصفيح” في فارجينيا أقول: لستم لوحدكم، إن الكنيسة معكم، إن البابا معكم. أنا أحمل كل واحد منكم في قلبي وأجعل من النوايا التي تحملونها في أعماقكم نواياي: الشكر على الأفراح، طلبات المساعدة في المحن، الرغبة بالعزاء في أوقات الألم والمعاناة. أنا أعهد بكم جميعًا لشفاعة سيدة أباريسيدا، أم جميع الفقراء في البرازيل، وأعطيكم بركتي بمودة كبيرة.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية