ننشر في ما يلي الكلمة التي القاها البابا فرنسيس يوم الجمعة 26 تموز 2013 خلال الاحتفال برتبة درب الصليب مع الشباب في ريو عند الساعة الخامسة من بعد الظهر.
***
أيها الشباب الأعزاء!
لقد أتينا الى هنا اليوم لنرافق يسوع بدرب الألم والمحبة، درب الصليب، الذي هو واحد من أبرز محطات أيام الشبيبة العالمية. أراد الطوباوي يوحنا بولس الثاني أن يعهد بالصليب في نهاية سنة الفداء الى الشبيبة فقال: “احملوه في العالم كرمز لمحبة المسيح للبشرية، وأعلنوا للجميع بأن فقط من خلال موت المسيح وقيامته نجد الخلاص والفداء.” (Paroles aux jeunes [21 avril 1984] : Insegnamenti VII,1 [1984], p. 1105). ومنذ ذلك الحين، جال الصليب في كل القارات وعبر القطاعات الأكثر تنوعًا للوجود البشري، وبقي شبه متجذر في مواقف حياة الكثير من الشباب الذين رأوه وحملوه. لا يستطيع أحد أن يلمس صليب يسوع من دون أن يترك شيء منه على الصليب أو من دون أن يأخذ من صليب يسوع شيئًا في حياته. بينما ترافقون الرب هذا المساء، أود أن يتردد صدى ثلاثة أسئلة في قلوبكم: ما الذي تركتموه على الصليب، أنتم، يا شباب البرازيل الأعزاء، خلال هاتين السنتين اللتين جاب خلالهما الصليب بلدكم العظيم؟ ماذا ترك صليب المسيح في كل واحد منكم؟ وأخيراً، ماذا يعلمنا الصليب؟
1- يخبر تقليد روماني قديم بأن بطرس الرسول، وبينما كان هارباً من اضطهاد نيرون، رأى يسوع يمشي في الاتجاه المعاكس، فسأله مندهشًا: “يا رب، الى أين تذهب؟” فكانت إجابة يسوع: ” أنا ذاهب الى روما لاُصلب من جديد”. حينئذ، فهم بطرس انه لا بد له من أن يتبع الرب بشجاعة، حتى النهاية، ولكنه فهم أيضاً أنه لن يكون أبداً وحده في هذه المسيرة، فيسوع الذي أحبه حتى الموت على الصليب، سيرافقه دوماً. ها هو يسوع الحامل صليبه يسير في دروبنا ليأخذ على عاتقه أعمق مخاوفنا، ومشاكلنا، ومعاناتنا. بصليبه يتحد يسوع بصمت ضحايا العنف الذين جفت دموعهم، بخاصة الأبرياء والعزّل؛ كما يتحد يسوع أيضًا بالعائلات التي تمر بضيق، وتبكي موت أطفالها، أو التي تعاني وهي تراهم فريسة الجنّات الكاذبة كالمخدرات؛ ويتحد يسوع أيضًا بكل الأشخاص الذي يعانون من الجوع في عالم يرمي كل يوم في المهملات الأطنان من المواد الغذائية. بالصليب، يتحد يسوع بالمضطهَدين بسبب دينهم، بسبب معتقداتهم أو بكل بساطة بسبب لون بشرتهم. بالصليب يتحد يسوع بالكثير من الشباب الذين فقدوا الثقة بالمؤسسات السياسية، لأنهم يرون فيها فقط حب الذات والفساد. وكذلك بالذين فقدوا الإيمان بالكنيسة، او حتى بالله، بسبب الشهادة المزيفة لبعض المسيحيين وخدام الانجيل. في صليب المسيح هناك المعاناة، وخطيئة الإنسان، وهو يستقبل كل ذلك بذراعيه المفتوحتين، ويحمل على كتفيه صلباننا ويقول لنا: تشجعوا! فأنتم لا تحملون صلبانكم بمفردكم! بل أنا أحملها معكم، لقد غلبت الموت وأتيت لأعطيكم الرجاء، لأعطيكم الحياة. (راجع يوحنا 3، 16).
2- ويمكننا الآن الإجابة على السؤال الثاني: ماذا الذي خلّفه الصليب بالذين رأوه او لمسوه؟ ماذا الذي تركه في كل واحد منا؟ إنه يعطينا الخير الذي لا يمكن لأحد آخر أن يعطينا إياه: ضمانة محبة الله لنا التي لا تتزعزع. محبة عظيمة لدرجة أنه يتغلغل في خطيئتنا ليغفرها، ويدخل الى ألمنا ويمدنا بالقوة لتحمّله؛ كما يدخل في الموت ليغلبه ويخلصنا. صليب المسيح يغلّف محبة الله كلها، ورحمته اللامتناهية. إنها محبة يمكننا أن نضع ثقتنا بها، ويمكننا أن نؤمن بها. أيها الشباب الأعزاء، فلنثق بيسوع، فلنقدم أنفسنا بالكامل له (cf. Lettre enc. Lumen fidei, n. 16)! فقط في المسيح الذي مات وقام نجد الخلاص والفداء. معه، لم تعد الكلمة النهائية للشر والألم والموت، لأنه يمنحنا الرجاء والحياة: لقد حول الصليب من أداة للبغض والخسارة والموت الى رمز للمحبة والإنتصار والحياة. أول اسم اعطي للبرازيل كان “أرض الصليب المقدس”. كان صليب المسيح مغروساً منذ خمسة قرون ليس على شاطئ هذه البلاد فحسب، بل في تاريخها، وفي قلب شعب البرازيل وحياته. نختبر هنا المسيح المتألم بقربنا، كواحد منا يتقاسم معنا مسيرتنا حتى النهاية. ليس هناك من صليب أكبيرًا كان أم صغيرًا في حياتنا ولا يشاركنا الرب في حمله.
3- ولكن يدعونا صليب المسيح أيضًا لأن ندع محبته تلمسنا، وتعلمنا إذًا أن ننظر دائماً الى الآخر برحمة ومحبة، وبخاصة نحو الأشخاص المتألمين، الذين يحتاجون للمساعدة، وينتظرون كلمة أو لفتة. هي تعلمنا أيضًا الخروج من ذواتنا لنلاقي الآخر ونمد يدنا له. عدد كبير من الأشخاص رافق يسوع بمسيرته نحو الجلجلة: بيلاطس، وسمعان القيرواني، ومريم، والنسوة…أمام الآخرين،يمكننا أن نكون نحن أيضًا كبيلاطس الذي لم يتحلّ بشجاعة الذهاب عكس التيار ليخلص يسوع، فغسل يديه. أيها الأصدقاء، يعلمنا صليب المسيح أن نكون كسمعان القيرواني، الذي ساعد يسوع في حمل ذلك الخشب الثقيل، وأن نكون كمريم والنسوة، اللواتي لم يخفن من مرافقة يسوع حتى النهاية بمحبة وحنان. وأنت؟ بمن تتشبّه؟ ببيلاطس؟ بسمعان؟ أم بمريم؟
أيها الأصدقاء الأعزاء، فلنضع على صليب المسيح أفراحنا، ومعاناتنا ونجاحاتنا. فهناك سنجد قلباً مفتوحاً يفهمنا، ويغفر لنا، ويحبنا ويدعونا لنحمل هذه المحبة في حياتنا، ونحب كل واحد من إخوتنا وأخواتنا، بهذه المحبة نفسها. فليكن ذلك!
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية