"قامت مريم وذهبت مسرعة إلى الجبل"

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي – أحد زيارة مريم لإليصابات

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

1. تحتفل الكنيسة اليوم بتذكار زيارة مريم العذراء لإليصابات. فما إن ملأتها بشارةُ الملاك جبرائيل بفرح الحبل بابن الله، يسوع المسيح، بقوّة الروح القدس (راجع لو 1: 31-32)، حتى خرجت من بيتها في الناصرة، وذهبت مسرعة إلى بيت إليصابات العجوز العاقر، في عين كارم، وهي حُبلى في شهرها السّادس، بعطيّة خاصّة من الله، تحمل إليها فرح الإنجيل، فرح “الخبر السارّ” الآتي من عند الله، لتملأ نقص فرحها المُشار إليه بالشهر السادس، وتبلغ به إلى تمامه، أي الشهر التاسع، رمزًا للعهد القديم الذي لن يبلغ كماله إلا بالذي قال: ما جئتُ لأنقض بل لأكمّل. هذا الفرح يستدعي إشراكَ الغير به، ويدعو إلى أخذ المبادرة والالتزام بها ومرافقة الشخص بخدمته، وقطف ثمارها.

2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيّا الإلهية التي تشاركنا فيها عائلةُ المثلث الرحمة المطران منصور حبيقه، راعي أبرشيتنا المارونية في زحله. وقد غادرنا إلى بيت الآب منذ شهر. فإنّنا نذكره معكم مجدّداً في هذه الذبيحة المقدّسة، ونجدّد التعازي الحارّة لأشقّائه وشقيقاته وعائلاتهم. كما نذكر في صلاتنا قطبَين لبنانيَّين من عالم الفن والشعر والأدب غادرانا معًا إلى بيت الآب، هما المرحومة الفنانة صباح التي نصلّي على جثمانها بعد ظهر اليوم، والمرحوم الشاعر الكبير والأديب سعيد عقل الذي نصلّي أيضاً على جثمانه ظهر الثلاثاء. نسأل الله أن يعوّض على الكنيسة ولبنان بأمثالهم.

3. قامت مريم وذهبت مسرعة إلى بيت إليصابات

يؤكّد قداسةُ البابا فرنسيس في الإرشاد الرّسولي “فرحُ الإنجيل” أنَّ “فرح الإنجيل، الذي يملأ قلب وحياةَ جميع الذين يلتقون يسوع، هو فرح إرسالي”، (فقرة 1 و21)، يخصّ الشّعب كلّه، ولا يُمكن أن يُقصى أحدٌ عنه. هذا ما أعلنه الملاك لرُعاة بيت لحم في ليلة ميلاد المخلّص: “أبشّركم بفرحٍ عظيم، يكون للشعب كلّه” (لو2: 10). وهذا رآهُ يوحنّا الرسول في رؤياه :”ورأيتُ ملاكاً طائراً في كبد السّماء، ومعه الإنجيل الأبدي (البشرى السارّة) ليبشّر به القاطنين في الأرض، وكلَّ أمّة وقبيلة ولسان وشعب” (رؤيا 14: 6). هكذا فعلَ الرّبُّ يسوع وهو “يطوف المدن كلَّها والقرى يُعلّم في مجامعهم، ويكرز بإنجيل الملكوت، ويشفي الشّعب من كلّ مرض وكلّ علّة” (متى 9: 35).

ويضيف البابا فرنسيس: “من الحيوي اليوم أن تخرج الكنيسةُ لتبشّر الجميع بالإنجيل، في كلّ مكان، وفي كلّ المناسبات، بدون تردّد ولا قنوط ولا خوف فهي إيّاها “الكنيسة المنطلقة” مع جماعة المؤمنين والمؤمنات الذين يأخذون المبادرة ويلتزمون ويُرافقون ويأتون بالثّمار” (فرح الإنجيل، 23 و24).رسالتهم أن يزرعوا فرح المسيح في قلوب جميع الناس. مبادرة والتزام ومرافقة وقطف ثمار. هذه الأربعة نتعلّمها من حدث زيارة مريم لإليصابات

4. يجب علينا، بل على كلّ واحد منّا من موقعه، أخذُ المبادرة كما فعلَ الرّبّ يسوع، إذ كان يأخذ دائماً المبادرة الأولى، في تجواله من مكان إلى آخر، بفيضٍ من حبّه، حاملاً محبّة الله ورحمته لجميع الذين التقاهم، كما تورد الأناجيل. أخذُ المبادرة يقتضي الذّهابَ إلى لقاء الآخر من دون خوف أو تردّد، والبحثَ عن البعيدين والمُستبعدين، وإشراكَ الغير في رحمة الله، بعد اختبارها. مريم تأخذ المبادرة بالذهاب إلى بيت إليصابات لخدمتها فور علمها بالخبر من فم الملاك (فرح الإنجيل، 24).

5. ويجب الإلتزام بالخدمة على مثال الرّبّ يسوع الذي “غسلَ أرجل التّلاميذ”، ودعا أخصّاءه للخدمة المتواضعة، مهما علا شأنهم، ويقول لهم” “طوبى لكم إذا عملتم به” (يو13: 17). يكتب البابا فرنسيس: “الجماعة المبشّرة بالإنجيل، بأفعالها ومبادراتها، تدخل في حياة الآخرين اليوميّة، تُقلّص الأبعاد، تتدنّى حتّى الإذلال إذا لزِمَ الأمر، وتُلامسُ جسد المسيح المُتألّم في الشّعب (فرح الإنجيل، 24). هي مريمتفعل ذلك من سمائها مع كلّ إنسان، وبخاصّة مع المتألّمين والحزانى والمحتاجين، فتواصل معه “زيارتها” لإليصابات. أجل، مريم في زيارة دائمة لنا، أفرادًا وجماعات.

6. وأخيراً تجب المرافقة. الجماعة التي تبشّر بالإنجيل إنّما ترافق البشريّة في كلّ مساراتها، مهما كانت قاسية وطويلة، وتنتظر برجاء وتصبر(فرح الإنجيل، 24). مريم التي رافقت إليصابات طيلة ثلاثة أشهر، ترافق أبناءها وبناتها المسافرين في بحر هذا العالم حتى يبلغوا ميناء الخلاص.

7. بنتيجة هذه المبادرة والالتزام والمرافقة، كانت الثمار الروحية والإنسانية وافرة وهي: امتلاءُ إليصابات والجنين يوحنا في بطنها من الرّوح القدس؛ وهُتافُ إليصابات النّبَوي المثلّث لمريم، فحيَّتها “مباركةٌ بين النّساء ومباركةٌ ثمرة بطنها” “وأمُّ ربّها”، وعظّمَتْ إيمانَها بالقول: “طوبى لتلك التي آمنَتْ” (راجع لو1: 41 -45).

إنّها ثمار عطيّة الروح القدس. يعلّمنا حدثُ الزيارة أن حيث مريم هناك المسيح، وحيث المسيح هناك الروح القدس. عندما نلتجئ إلى مريم ونصلّي لها، تعطينا ابنها يسوع بشخصه وكلامه ونعمه، وعندما نلتجئ إلى المسيح الرب يهبُنا روحه القدّوس الذي يحقّق فينا ثمار الفداء، ويملأُنا فرحًا وحياةً جديدة.

8. زيارة مريم لإليص
ابات تعلّم كلَّ مسؤول سواء في العائلة والمجتمع، أم في الكنيسة والدولة، ثقافةَ المبادرة والالتزام والمرافقة، من أجل زرعِ الفرح في القلوب، وإحياءِ الطمأنينة في عيشٍ كريم، وخلقِ السعادة لدى الجميع. ليست المسؤوليةُ للقهر والاستبداد والظلم؛ وليست للإهمال والتفريط؛ وليست المسؤوليةُ خدمةً للذات ولفئات مذهبية أو حزبية. المسؤولية هي لخدمة الخير العام، الذي منه خيرُ كلِّ إنسان، وخيرُ كلِّ الإنسان. لا يمكن القبولُ بممارسة المسؤولية والسلطة خلافًا لهذه الخدمة. فليتّقِ اللهَ في هذا كلُّ مسؤولٍ وصاحبِ سلطة.

تعالَوا، أيها الأخوة والأخوات، نُعطي حياتنا اليوميّة، وعلاقاتنا العائليّة والاجتماعيّة والوطنيّة وجهَ زيارةٍ تبادر وتلتزم وترافق وتعطي ثمارَفرحٍ وسعادة في قلب كلِّ إنسان. فيتمجّدَ اللهُ، الآبُ والابنُ والروحُ القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

*      *     *

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Bechara Boutros El-Rai

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير