1- الإطار العائلي
تنقلنا سيرة حياة القديسة برباره إلى أجواء عائلة وثنية ثريّة، يخيم عليها جو الحقد والكبرياء والبغض. هناك والد متعصّب متشدد، حقود ذو طبع شرس وعنيف[1]، أعمى البصيرة وفاقد الحسّ. عرف بقلّة ثقته بالآخرين. فكان يغار على برباره القديسة، غيرة عمياء، أدى الى سجنها في قلعة محصنة لتمارس فيها تقاليد العائلة لعبادة للأصنام.
فعندما يسيطر الحب الإستحواذي على العلاقات داخل الأسرة، يتولّد الغبن بين الأفراد، وبالتالي سيكون البيت مسرحاً لأعمال العنف والقتل المعنوي والنفسي والجسدي.
2- إكتشفت المسيح الرب والفادي
يروي التقليد المسيحي أن القديسة برباره، محبة في معرفة الحقيقة الكاملة، أرادت معرفة معنى الوجود والحبّ، ومصير الإنسان بعد الموت وما هو العقاب والثواب، فشاءت العناية الإلهية أن تلتقي برباره بالمعلم فالنتيانوس[2]، حيث معه ستتعرّف على حقائق الإيمان المسيحيّ وحقيقة الكتاب المقدّس، فكانت حالتها أشبه بحالة تلمذيّ عماوس في إنجيل القديس لوقا (لو24: 13- 35) عرفت المسيح السائر معها في قلعتها- بيتها، فتفتّحت عيناها على الحق «وقبلت سرّ العماد… ونذرت بتوليّتها للرب يسوع»[3].
3- شهيدة الحبّ الإلهي
من سجينة قمع الوالد، الى رسولة المسيح يسوع الى بتولة مكرّسة لحب العريس الإلهي. ظهر هذا التكرّس في مواظبة برباره المستمرّة على الصلاة والتأمل بكلمة الله. إنه إنتقال من حالة الوهم الى حالة المعرفة الإلهية. فأدركت برباره معنى التكرّس الكلّي للمسيح وأن الحب الحقيقيّ لا يبادل إلا بحب مقابل، وأن العطاء وبذل الذات يحققان الدعوة العماديّة. وفهمت برباره أيضاً أن الأبوّة الحقيقية للآب، هي الرحمة والحنان والتشجيع والدعم والمبادرة والمرافقة والحياة، وهي عكس أبوّة الإنسان.
4- التحرر بالمسيح يسوع يبدأ في البيت
إن إيمان برباره بالمسيح، قد حرّرها من قيود وعبء المعتقدات الوثنية، وأن الحرية الحقيقية تكمن في عبادة الله الثالوث «بالروح والحق» (يو4: 24) عبادة تحرّر العقل من ظلاميّة الأوثان. لهذا شرعت القديسة برباره في تحقيق إرادة المخلّص يسوع، مبتدئة في بيتها وبين عائلتها، محرضة الجميع لتحطيم الأصنام وكانت هي السبّاقة في ذلك. قابل والد القديسة برباره عملها بعنف وتشدّد، فمارس على إبنته، القمع والضرب المبرح والجلد والشتائم والسجن. لكن القديسة برباره واجهت عنف الوالد بحزم وثقة ورجاء، لأنها آمنت بحضور عريسها يسوع فعاينت وجهه، وهو من تدخل في الوقت المناسب، شافيًّا جسدها الطاهر من الجراحات، بسبب عنف والدها وعنف الحكم الوثني. فنحن أمام حالة رغبة في الثأر والغضب«وإذا بلغ الغضب حدّ الرغبة، عن عمد، في قتل القريب، أو جرحه جرحاً خطيراً، فهو يتعارض تعارضاً جسيماً مع المحبة، إنه خطيئة مميتة...» [4]. إن برباره قد حكم على برباره بالقتل والتعذيب والتنكيل بكرامتها غير أنها لم تأبه لظلم الحكم الوثني ولا لتهديد وتملق والده، بل ظلت متمسكة بإيمانها بشخص المسيح، حتى لحظة إستشهادها بقطع عنقها على يد أبيها الظالم.
خلاصة روحية حول معنى العيد
إن يسوع المسيح هو المثال والقدوة لكل تربية، وبمعزل عنه تتحوّل التربية الى مأساة لا بل الى جحيم، أولى ضحاياها الأبناء والبنات. فعندما يتربى الولد على القمع، سيتولّد في نفسه إنحرافات خطيرة، أشدها كره شديد للذات يولّد البغض وإحتقار الآخر والغيرة والرغبة في تملّكه. فمن يكره ذاته سيكره غيره، وهناك العديد من الإختبارات المؤلمة التي تدلنا على ضحايا العنف من نساء قضين حتفهن بسبب تعنيف الرجل وشراسته وغيرته الجامحة والمرضيّة، أو فتيات كن ضحيّة وقساوة الوالد وقمعه وتشدده، أضف الى رفض الآخرين لنا بسبب إيماننا بالمسيح يسوع ربا وإلهاً…
لهذا يضعنا هذا العيد المجيد أمام حقيقة العبادة الحقيقيّة، التي تجعل منّا أحراراً بالمسيح شهوداً على قيامته شجعاناً أبطالاً على مثال الشهيدة برباره، لا يخيفنا أي تهديد أو وعيد أو عنف أو قتل أو تهجير، لأن ما نؤمن به هو «المسيح رب الحياة والموت» [5]. تدلنا العادات المتبعة في عيد البرباره، أن التنكّر بزيّ خاص يرمز في طيّاته وأبعاده الثقافية، إلى حسّ الناس الإيماني في الدفاع عن كل مظلوم [ برباره] وحمايته من كل معتدٍّ وظالم.
يا ليت يوم الرابع من كانون الأول من كل سنة يتحوّل الى عيد عالمي ووطنيّ، مخصص لحماية حرية المعتقد والدين والأقليات وإلغاء لقانون التجديف في بكاستان، فيا أيتها القديسة برباره علمينا كيف نشهد للمسيح الفادي.
[1] – السنكسار المارونيّ، ص 333
[2] – نفس المرجع
[3] – نفس المرجع
[4] – راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، فقرة 2302 – 2303
[5] – السنكسار المارونيّ، ص 333