“وكانَ رَجُلٌ مِن صُرْعَة (اسم بلدة)، مِن عَشيرةِ دانٍ، اسمُه مَنوح، وكانَتِ امرَأته عاقِرًا لا تَلِد. فتَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِلمَرأَةِ وقالَ لها: إِنَّكِ عاقِرٌ لم تَلِدي، ولكِنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ابنًا” (قضاة 13: 2-3)
في حالة الموت التي يعيشها الشعب تحت أيدي أعدائه، يدبّر الرب مخلّصا. ويعطي علامة: من رحمِ إمرأة عاقر، يعد الله بولادة ابن. نعم، يظهر ملاك الرب لامرأة منوح، ويعلن لها قول الرب: أعلم عن عدم مقدرتك الإنجاب، لكنكِ ستلدين.
يذكر الكتاب المقدس أن كثيرا من الأنبياء والملوك وُلدوا من رحمِ إمرأة عاقر. والرحم وهو مصنع الحياة، متى يصبح عقيما لا يعطي ثمرة حياة. ولكن الرب بقدرته يمنحه أن تخرج حياة منه. وها هو الله القدير يعد والدي شمشون أن يولد منهما مخلص للشعب، يكون مكرّسا للرب.
هذه الحقيقة صورة هامة لك ولي. ذلك الرحم العاقر هو قلب كل إنسان، غير قادر على أن يمنح حياة حقيقية للآخرين، أن يمنح حبا مكان الإساءة، ورحمة (من رحْم) ومغفرة مقابل الخطيئة، فهذا هو العقم الحقيقي … إذا، لا تحزن الأم التي لا تلد، فهي قادرة أن تعطي حياةً لآلاف الأشخاص. قد لا تلد أبدا جسديا، ولكنها قادرة على إحياء موتى كثيرين، بحبها ورحمتها للآخرين، فتصبح أما حقيقية لهم.
عجيب هو الرب: يعلم عدم قدرتي، ولكنه يعدني بأنني سأستطيع، فيتطلب مني أن اتحد به دائما. لأن قوّتي تأتي من وعده، وليس من قدرتي. ولأنني أرغب في أن يتحقّق هذا الوعد، هذه الحياة وهذه السعادة، انساق إليه باشتياق وفرح، كحبيبة كتاب نشيد الأناشيد، التي تخرج وراء حبيبها، بالرغم من كل الصعوبات. فهو يستغويني كي أحقق ما اشتاق اليه. وفي الطريق اكتشفه هو، أجمل بكثير مما كنت أرغبه.
ظهر ملاك الرب لزوجة منوح، وطلب منها: “لا تَشرَبي خَمرًا ولا مُسكِرًا، ولا تَأكُلي شَيئًا نَجِسًا، لأَنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ابنًا لا يَعْلو رأسَه موسًى، لأَنَّ الصبِيَّ يَكونُ نَذيرًا للهِ مِنَ البَطْن، وهو يَبدأُ بخَلاصِ إِسْرائيلَ مِن يَدِ الفَلِسطينيِّين” (قضاة 13: 4-5). نعم لا تتنجّسي بشيء، يجب أن تكوني طاهرة، وإلا ستؤثري على الابن. فهذا الابن مهمّ، ويجب أن يكون نذيرا للرب. سيكون قويّا، وسر قوّته متوقّقة على الأمانة لنذره. وهو الذي سيخلّص الشعب من أعدائه … فتذهب الزوجة إلى منوح وتحكي له ما حدث، ولكنهما لا يفهمان شيئا، فيظهر لهما ملاك الرب من جديد، ويكرر نفس الكلام.
تمر الأيام وتلد المرأة “ابنًا وسَمَّته شِمْشون. وكَبِرَ الصَّبِيُّ وبارَكَه الرَّبّ. وبَدَأَ رُوحُ الرَّبِّ يُحَرِّكُه في مُعَسكَرِ دان، بَينَ صُرعَةَ وأَشْتاؤُول” ( قضاة 13: 24-25).
وُلد الصبي، وتحقّق وعد الرب، بالرغم من استحالة حدوث ذلك طبيعيا، حيث إنّ أمه عاقر. وها هو الصبي ينمو. باركه الرب، وقاده روح الرب ليتعلّم فن الصراع ضد العدو، ولكي يحررّ شعبه من أعدائه. أما المخلّص الحقيقي الذي سيحرّر كل أبناء الله من العدو الحقيقي، من إبليس، فهو المسيح. نعم، شمشون صورة، شمس صغيرة، لشمس البرّ، المسيح. ولكن إلى متى سيصمد شمشون؟
اختار الربُ الطفلَ “نذيرا” له منذ نشأته في بطن أمه. لكن من هو “النذير” ؟ هو الشخص الذي يكرّس نفسه للرب بطريقة خاصة حسب الشريعة، كما أعلن الملاك:”يَمتنِعْ عن الخَمْرِ والمُسكِر، ولا يَشرَبْ خَلَّ خَمْرٍ وخَلَّ مُسكِر، ولا يَشرَبْ أَيَّ عَصيرٍ مِنَ العِنَب، ولا يأكُلْ عِنبًا رَطْبًا ولا يابِسًا، ولا يأكُلْ طَوالَ أيَّامِ نَذرِه مِن كُلِّ ما ُيصنعُ مِن جَفَنةِ الخَمرِ، مِنَ البُذورِ إِلى القِشْر، وطَوالَ أَيام نَذْرِه لا تَمُرَّ موسَى بِرأسِه” (عدد 6: 1-5).
هذه هي الشروط كي يصبح الشخص “نذيرا”. أما شمشون فالرب هو الذى اختاره ليكون “نذيرا” له من بطن أمه. وعلى شمشون أن يقبل الشروط وينفذها، حيث إنّ الرب قد اختاره لدعوة خاصة. وهذا هو الأهم والأصعب. هل سيكون شمشون شمسا صغيرة، مكّرسا للرب، في خدمة الآخرين، دون أن يبحث عن ذاته؟ هل سيدرك شمشون أن التكريس والدعوة هما لملء الحياة، وطوبي لمن يعيش هذا الاختيار! أم ستأتى ساعة ينساها تحت إغراء المتعة واللذة، فيفشِى سر قوّته ودعوته؟ هل سيبقى شمشون “شمسا صغيرة” تقود إلى الحرية، والتي تربّى عليها منذ الطفولة؟ أم سيغرُب ويسقط؟ … هذا ما سنراه …